الأيام الأولى التي تلتَ إقصاء رئيس تيار «المُستقبل» سعد الحريري نفسه عن المشهديْن السياسي والانتخابي، أوحَت وكأن الجميع في حشرة. لكن سرعان ما تبيّن أن لا أطلال للبكاء عليها، أو الأصح لا ترف لدى أحد لـ «العزاء» طويلاً. المعركة اليوم معركة وجود وقتال من أجل المكتسبات، في زمن صارَت فيه خسارة مقعد نيابي واحد، مؤشّراً على هزيمة كبيرة. لذا، عادَ الجميع بعدَ أيام قليلة إلى قواعدهم و«ورشهم» الانتخابية بحثاً عن تموضعات وتحالفات وفقَ قاعدة «يا رب نفسي»! هكذا، مثلاً، أيام قليلة على تصريح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن المختارة «وحيدة وحزينة»، لم تعد المختارة كذلك، مع إعلان التحالف الانتخابي مع معراب.رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، من جهته، لم يكن قادراً على إخفاء سعادته بفراغ ساحة جديدة أمامه (الساحة السنية)، مضافة إلى سعادته الكبرى كونه الوحيد من «الفريق السيادي» الذي لم يشمله غضب المملكة. وهذه الأخيرة تملك إجابة لكل من يتحدث إليها في شأن انتخابي أو سياسي: «اذهبوا إلى سمير جعجع». وجعجع، «المستشِرس» بفعل الدعم السعودي، تتجاوز رغباته قضم حصة الأسد من تركة «الحريرية السياسية». بل يشترط، على كل حلفائه المفترضين، بأنه هو من يسمّي كل النواب المسيحيين من غير العونيين، أو يشارك في تسميتهم، في الشوف وفي طرابلس وفي كل مكان للقوات اللبنانية فيه صوت.
هذه النزعة القواتية أدت إلى عرقلة بلورة الاتفاق على التحالف الانتخابي مع الحزب «الاشتراكي»، وإن لم تعطّله، فضلاً عن أنها خلّفت استياءً لدى جنبلاط وبعض المقربين منه، في حين أن البعض الآخر مستعدّ لأي تنازلات حفاظاً على مقعده الدرزي.
أكثر من لقاء عُقِد بينَ «الاشتراكيين» و«القواتيين» من أجل التنسيق، غيرَ أن الأمور لم تُحسم في أي دائرة من تلك التي تجمع بينهما، بسبب تباعد وجهات النظر، إضافة إلى ترتيبات انتخابية من أطراف أخرى تؤثر أو تنعكس على الدوائر.
هذا جو يؤكّده الاشتراكيون ولا ينفيه القواتيون. وفي حين تتصرّف معراب من منطلق أن أوراقها هي الأقوى، تتأرجح المختارة بينَ حاجتها لجعجع، وبينَ إدراكها حاجته لها والتعامل معه على هذا الأساس، أي أن «يكون تحالفاً انتخابياً ظرفياً، والسلام عليكم».
هكذا تسير الأمور نظرياً. أما عملياً، فلا شيء محسوماً بعد. بل يُمكن القول إن التفاهمات عسيرة حتى الآن. ففي الشوف، مثلاً، يريد جعجع فرض الأسماء المسيحية، وهذا ما لا يستسيغه جنبلاط ،مع «قناعة» بأن القوات لا تستطيع أن تأتي بالنائب جورج عدوان وحدها، وأن ذلك مرهون بالتحالف مع «الاشتراكي» كما تقول مصادر الأخير. وهنا، يدخل عامل معقِّد، وهو ميل مجموعات من المجتمع المدني إلى التحالف مع جعجع، بينما لا يزال جنبلاط يراقب ما ستؤول إليه الاتفاقات.
وبما أن الغالبية في عاليه جنبلاطية، اختلطت الأوراق بعدَ الانفصال الذي حصل بينَ القوات وأنطون الصحناوي في الأشرفية. إذ تقول مصادر مطلعة إن «الأخير مستاء من الطريقة التي تعامل بها جعجع في ما يتعلق بالترشيحات في دائرة بيروت الأولى»، وهو يميل إلى تبنّي راجي السعد انتخابياً (كانَ مرشحاً عن أحد المقعدين المارونيين في دائرة عاليه وهو ابن شقيق النائب والوزير السابق فؤاد السعد، وتربطه صلة قرابة بالصحناوي). ومن المعروف أن علاقة آل السعد بالمختارة جيدة جداً، ومن المرجح أن يكون على لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه في الدائرة. أما في البقاع الغربي، فـ «اللائحة التي تضم تحالف الحزب التقدمي الاشتراكي مع حزب القوات اللبنانية، غير مكتملة بعد، بانتظار الأسماء المسيحية التي ستُسقط في اللائحة».