ما يميّز إرساليات ألمانيا السياسية عن غيرها من الصناديق الاستعمارية في بلادنا هو إيحاؤها بأنها متنوّعة وتمثّل أطيافاً سياسية مختلفة. فمن لا يريد التعامل مع دعاة الرأسمالية غير المقيّدة يمكنه اللجوء لأصحاب الفكر الأقرب إليه في اليسار الإمبريالي. في الواقع هذه المؤسسات المرتبطة بالأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) ما هي إلا وكالات لتنفيذ سياسات الحكومة التي تستمدّ منها شرعيتها وتمويلها. هي، فعلياً، أدوات لترسيخ المؤسسة الحاكمة في ألمانيا أولاً، ثم في امتدادها الأوروبي وما بعده. الانتقال السلمي للسلطة بعد 18 سنة من حكم أنجيلا ميركل لا يحدث لو كان التحالف الحاكم الجديد يختلف جذرياً عن سلفه. في بلادنا، المؤسسات التابعة لأحزاب ألمانيا تتقاسم الأدوار التي تتطلّبها منها السياسة الخارجية الألمانية. ولو اختلف الأسلوب قليلاً عن الأسلوب الأميركي فالغاية في تطويع الشعوب هي نفسها. في هذا العدد نتعرّف إلى المؤسسات السياسية الألمانية الناشطة في الحرب الناعمة على دول الجنوب ونسلّط الضوء على إحداها، «هاينريش بُل»، التي اخترنا أن نبدأ بها كونها تربطها علاقة مميّزة بالمؤسسات الأميركية التي تطرقنا إليها سابقاً، أي «سوروس» و«فورد»