في وقت كان يسجّل عدّاد الإصابات بفيروس «كورونا» ذروته الجديدة مطلع العام الجاري، كانت المدارس في «هدنة» مع الفيروس بعد قرار وزارة التربية تمديد عطلة الأعياد إلى أربعة أسابيع خوفاً من سيناريو كان متوقعاً يجعل من تلك الأمكنة بؤرة التفشي الجديد. غير أن هذه «الجبهة» التي بقيت ساكنة طوال تلك الفترة، استعادت موقعها في المشهد الكوروني اليوم. إذ تشير الأرقام الأخيرة إلى أن المدارس باتت جزءاً من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الإصابات، وأعلن وزير الصحة فراس أبيض، أمس، أن عدد الإصابات في المدارس «خلال الأسبوعين الماضيين بلغ 1238» وفق الأرقام المعلن عنها. ويشير جدول «توزع الحالات بحسب العمر»، في الأيام الـ14 الأخيرة، إلى أن النسبة الأعلى من الإصابات تتركز في الفئة العمرية بين صفر و18 سنة، وهي فئة طلاب المدارس. وهو ما يؤكده مستشار وزير الصحة الدكتور محمد حيدر.
وثمة سببان أساسيان لانتهاء الهدوء في المدارس، أولهما معلن والآخر - وهو الأسوأ - غير معلن.
في المعلن، تُعزى عودة الزخم في الإصابات في هذه الفئة العمرية، بحسب حيدر، إلى أن نسبة الملقحين في هذه الفئة «هي الأقل». وهؤلاء قسمان: الأول من صفر إلى 11 سنة والآخر من 12 سنة إلى 18 سنة. ورغم أن القسم الثاني دخل ضمن مسار التلقيح، إلا أن الأمور لم تسر وفق ما كان متوقعاً، بحسب رئيس اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح الدكتور عبد الرحمن البزري، مؤكداً أن «النسبة التلقيحية الأقل هي ضمن هذه الفئة لأن عملية التلقيح لم تسر كما كان مفترضاً»، مشيراً إلى مسؤولية وزارتي التربية والصحة عن ذلك.
تجري عملية التلقيح في القطاع التربوي وفق طريقتين هما، بحسب رئيسة جهاز الإرشاد والتوجيه هيلدا خوري، إما بالتسجيل المباشر عبر المنصة أو التسجيل في المدرسة، وفي كلتا الحالتين على الطالب التوجه إلى مراكز التلقيح بنفسه. تشير خوري إلى أن وزارة الصحة قدمت لوزارة التربية بعض العيادات الجوالة في المناطق وخصصت ماراثونات لتلقيح الطاقم التعليمي والطلاب، إلا أن هذه الإجراءات «لم تكن كافية لتسريع مسار التلقيح التربوي. الكثير من المدارس جاهزة للتلقيح، إلا أننا نحتاج سرعة من وزارة الصحة».
إلى ذلك، ثمة شكاوى خصوصاً من المناطق البعيدة عن العاصمة والمناطق المركزية، حيث تكمن المشكلة الأكبر في بُعد مراكز التلقيح عن معظم الطلاب، ما يعيد التذكير بفوضى توزيع تلك المراكز. وقد أدّى ذلك إلى عزوف كثيرين عن تلقي اللقاحات نظراً للتكاليف التي عليهم تكبدها للوصول إلى المراكز.
تتركز الإصابات في الفئة العمرية بين صفر و18 سنة حيث نسبة الملقحين هي الأقل


أما غير المعلن، والأسوأ، فهو تقاعس بعض إدارات المدارس عن تبليغ وزارة التربية بالإصابات في صفوفها، واستخفاف كثر من الأهالي بعوارض تظهر على أبنائهم لا تحول دون إرسالهم إلى المدرسة.
أضف إلى ذلك عاملاً آخر يتمثّل بالمصابين بلا عوارض، والذين يقدر البزري نسبتهم بـ«45 في المئة من جميع الفئات». كل هذه الأسباب تجعل من الأرقام التي تتبلغ بها وزارتا التربية والصحة غير نهائية. وكان ذلك واضحاً في الآونة الأخيرة. إذ تلقت «الأخبار» شكاوى كثيرة من أهالي طلاب وعاملين في المدارس، خصوصاً خارج بيروت وجبل لبنان (وتحديداً من البقاع وصيدا) القاسم المشترك بينها أن الفيروس «ينغل في المدارس بلا حسيب ولا رقيب»، وأن بعض المدارس تتغاضى عن تبليغ وزارة التربية بالإصابات في ظل ضعف الرقابة من الجهات المعنية.
إلا أن خوري تصرّ على أن المدارس اليوم تبدي التزاماً أفضل من العام السابق، و«تعمد إلى تبليغ الوزارة وتنفيذ الإجراءات التي تبدأ بإقفال صف أو طبقة في حال وجود إصابات في صفين أو إقفال المدرسة»، مشيرة إلى خشية المدارس من الإجراءات التي قد تتخذها الوزارة بحقها في حال امتنعت عن التبليغ و««لأن الأهالي باتوا يبلغون عن المدرسة بأنفسهم للوزارة». لذلك، تبدو الوزارة مطمئنة للإجراءات التي تقوم بها ولتبليغات المدارس... عكس ما يقوله الواقع في المناطق الأخرى.
ومع ذلك، تتحدث خوري عن إصابات ضمن فئة الطلاب في مدارس بيروت وجبل لبنان أعلى مما هي ضمن الطاقم التعليمي الذي تقترب مناعته من المعدلات الجيدة، مع وصول نسبة التلقيح إلى حدود 70 في المئة ما بين جرعة أولى وجرعة ثانية.