يظهر متحور جديد لكورونا كل بضعة أشهر. وفي وقت تنتظر البشرية خبراً سعيداً باكتشاف حل ينتصر على هذه الجائحة، نفاجأ كل فترة بأنّ متحوراً جديداً ظهر وبدأ بالانتشار، ويُسكب كثير من الحبر وتُستهلك تقارير ونشرات إخبارية وصحية عنه وينكب الأطباء على اكتشاف خصائصه ومعرفة خطورته.كورونا لن يختفي عن الأرض، شأنه شأن الأمراض الأخرى. لن نستيقظ ذات صباح على خبر اختفاء اسمه وغياب تأثيره. وتاريخ الأمراض الوبائية يؤكد هذا. بعد فترة ستخف أعداد الذين سيدخلون المستشفيات ومن هم بحاجة لعناية فائقة، وستقل أعداد الوفيات إلى مستوى يمكن النظام الصحي معه أن يستوعب أعداد المصابين ومعالجتهم شأنه شأن الإنفلونزا الموسمية التي تقدر منظمة الصحة العالمية عدد وفياتها سنوياً بين 290 ألفاً و650 ألفاً.
ستصبح أعداد المصابين قابلة للتوقع، وستتوافر اللقاحات السنوية لمن يريد، وستتحول المتحورات - كمتحورات الإنفلونزا - إلى متحورات هامشية فرعية يُمكن إنتاج الأدوية واللقاح لها. هكذا يجب أن ننظر إلى مستقبل كورونا.
ماذا نفعل في القادم من الأيام؟
لعلّ من أكثر الأمور إثارة للجدل حالياً هو موضوع فتح المدارس، أو اللجوء إلى التعليم عن بعد. الجميع يعلم أنّ المدرسة حاجة ليس فقط لحضور الصفوف، وأن هناك جوانب اجتماعية وفيزيولوجية ونفسية وعقلية يكتسبها الطلاب من خلال حضورهم في مراكز التعليم بسبب الاختلاط مع زملائهم ومعلميهم، وتجربة العامين المنصرمين أظهرت الجدوى والفعالية المنخفضتين للتعليم عن بُعد. لذا، سندرج في ما يلي بعض المقترحات والخطوات التي قد تُساهم في إدارة العملية التربوية للطلاب في هذه الظروف، من قبيل:
- تقسيم الطلاب إلى مجموعات بحيث تكون الفرص المدرسية (أوقات الاستراحة) وقاعات الصفوف منفصلة. هكذا تنحصر الإصابات في حال حصلت بمجموعات منفصلة عن بعضها البعض، بالتالي يمكن تعطيل مجموعة معينة بدلاً من تعطيل المدرسة ككل في حال أصيب بعض التلامذة.
استعمال الفحص السريع للكورونا مرتين أسبوعياً للأساتذة والطلاب غير الملقحين.
- يمكن لوزارة التربية أن تعيد التعاقد مع الأساتذة المتقاعدين لتغطية العجز في عدد الأساتذة كما فعلت الحكومة البريطانية.
- إنشاء مركز تواصل ودعم خاص بالمدارس في وزارة الصحة (أو وزارة التربية تحت إشراف وزارة الصحة) يُمكن للمدارس التواصل معه لأخذ الإرشادات والدعم حول الحالات التي تواجهها.
- اتباع التعليم المُدمج الذي اتبعته بعض المدارس العام المنصرم.
- إعادة توزيع فصول العام الدراسي بحيث تتضمن «فترة تبريد»، كما في أستراليا. فتكون مدة الفصل الدراسي شهرين مثلاً يتبعها أسبوعا عطلة لتبريد عدد الإصابات.
- تدريب المعنيين في المدارس على التعامل مع حالات الإصابة والمُخالطة (فترة الحجر، كيفية تتبع الإصابات، التعقيم وغيرها).
- المحافظة على خطوط الدفاع المعهودة مثل التهوئة الجيدة للصفوف، الكمامة، اللقاح...
أخيراً، هذا الصراع الإعلامي حول إعادة فتح المدارس له آثار سلبية على نفسية الطلاب واستعدادهم للدراسة وعلى حضورهم في المدرسة. وبالتالي المفترض أن تقوم الوزارات المعنية بورش داخلية مع المختصين التربويين والصحيين للخروج باستراتيجية وطنية لاستكمال العام الدراسي بناء على المصلحة الوطنية وضمن الإمكانات الموجودة والتجربة المتراكمة.
* دكتوراه في إدارة ومكافحة الأمراض الوبائية