ما حصل في الأيام الأخيرة أن ميقاتي أراد توجيه رسائل عدة في اتجاهات مختلفة، لكنه في الواقع لم يصب إلا باسيل فيها.
رسالته إلى الشارع السني لا تصرف بهذه السهولة. فالحفاظ على الصلاحيات يُصرف فقط على مستوى الصف الأول مع نادي رؤساء الحكومات الذين يتمسّكون به لأن لا سند أخيراً للمرجعيات السنية غير رئاسة الحكومة. أما الشارع السني، ففي مكان آخر. فالحريري الأب والابن دفعا من مالهما الخاص، ومن المال العام، من أجل تأطير الشارع وكسبه لسنوات بويع فيها رئيس الحكومة الراحل، ومن ثم نجله. والشارع السني اليوم، وطرابلس نموذج فاقع، لا تعنيه مناوشات التعيينات القضائية ولا المقايضات السياسية بقدر ما يعنيه تأمين رزقه. وهذا ليس مؤمّناً اليوم من جانب الزعماء السنة، وميقاتي في مقدمهم.
أما الرسالة الثانية إلى السعودية فليست بالقدر الذي يمكن أن يكسر موقفها من لبنان ككل، ومن ميقاتي نفسه، وهو موقف مزمن. السعودية، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والصفقات العسكرية، أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو اتصال هاتفي، لا أكثر ولا أقل. فلا استقالة وزير ولا موقف ميقاتي من باسيل والحكومة، سيبدلان رأيها. الحريري نفسه، بعد كل خصوماته مع عون وباسيل، لم يستطع نيل حظوة لديها. فكيف الحال في الوقت الضائع الذي لا ترى فيه السعودية مجالاً لعودة علاقتها الطبيعية مع لبنان، ولا تجد حرجاً في رفض استقبال رئيس الحكومة السني.
مشكلة باسيل مع ميقاتي أن الأخير لم يكن يوماً واضحاً، لا معه ولا مع غيره
أما الرسالة الأكثر وضوحاً فكانت إلى باسيل. عرف رئيس التيار معنى صياغة تفاهم ميقاتي وبري وحزب الله، وهناك من لم يستثن القوات والحزب التقدمي الاشتراكي، من ضخّ أجواء معارضة، في تحالف غير معلن ومختلف التوجهات لتوجيه ضربة له. والضربة، هنا، لا تتعلق بقرار المجلس الدستوري وحده. فكل ما صيغ حول التسوية التي سقطت، وما يرسم له من الآن وصاعداً، يعني أن تكتلاً عريضاً بات يقف في وجهه علناً. بالنسبة إلى التيار، يلعب ميقاتي لعبة رئاسة الحكومة، بالتنسيق مع الثنائي، وليس فقط بري. لا يضير حزب الله عدم اجتماع الحكومة، كما لا يضير ميقاتي، طالما أن الاجتماعات الوزارية مفتوحة، وأن رئيس الحكومة يُستقبل في العواصم التي زارها استقبالاً رسمياً يليق برئيس الوزراء، وأنه باق في منصبه إلى أجل غير معلوم، في وقت يحتاج باسيل في الأشهر الأخيرة قبل الانتخابات إلى مجموعة انتصارات، لا إلى انتصار واحد، وهو يعرف أن ميقاتي ليس متحمساً لإعطائه إياه، وليس في وارد العودة إلى مجلس الوزراء، ولا الاستقالة بطبيعة الحال، لأن ما أراده من رئاسة الحكومة حصل عليه. إلا أن مشكلة باسيل من الآن وصاعداً لن تكون مع ميقاتي وحده، بعدما تضاعف عدد خصومه من جهة واحدة. وهذا تماماً ما يشكل له رسالة أقوى من كل ما وجهه إليه الحريري في عز خصومتهما. وهو في رده التصاعدي تباعاً، لا يزال ينتظر معرفة موقف حزب الله الواضح وليس الرمادي، ليبني ردود فعله التي يراهن خصومه على أنها ستبقى مدروسة وتحت السقف لاعتبارات مستقبله الرئاسي، وهنا نقطة ضعفه التي يمسكها عليه حلفاؤه وخصومه.