«اجلسوا واقبضوا رواتبكم. هذا ما قاله لنا وزير الطاقة عندما ناقشنا معه مشروع تجديد العقد مع مقدّمي الخدمات الذي يتضمّن توسيع صلاحيات الشركات الملتزمة» بحسب رئيس نقابة موظفي وعمال مؤسّسة كهرباء لبنان شربل صالح. «نرفض التجديد ونرفض أن يتم تعويض فشل مقدمي الخدمات من خلال توسيع أعمالهم لوضع اليد على مختبر فحص جودة العدادات، وفشلهم في تحصيل المتأخرات التي تعود لدى بعض مقدمي الخدمات إلى عام 2019 والتي لا تقلّ قيمتها في أي من المناطق عن 40 مليار ليرة، ونرفض أن تدفع المؤسسة عن كل مكالمة شكوى ترد إلى الشركات دولارين حتى لو كان المشتكي هو نفسه عدّة مرات، ونرفض أن يسجّل على المؤسسة 34 سنتاً لقاء قراءة كل عدّاد...». كل هذه اللاءات التي أطلقها صالح، تقابل من وزير الطاقة وليد فياض بكلام آخر يتعلق بأن الخلل في العقد الموقّع مع شركات مقدمي الخدمات، يمكن تصحيحه من خلال توسيع الأعمال الملقاة على الشركات بدلاً من تبادل الاتهامات بين الشركات ومؤسسة كهرباء لبنان. «يجب أن تكون طريقة العمل أفضل من السابق. لدينا دراسة من شركة كهرباء فرنسا تشير إلى أن هناك مسؤوليات إضافية يمكن أن يعهد بها إلى مقدمي الخدمات للقيام بأداء أفضل».
تجديد أو تمديد أو توسيع؟
إذاً، عادت قصّة مقدّمي الخدمات في مواجهة نقابة موظفي الكهرباء، لتتصدّر واجهة المشهد في القطاع. يأتي مع انتهاء مدّة العقد مع الشركات الأربع (Butec ــــ نزار يونس، KVA ــــ تحالف بين الإنشاءات العربية وخطيب وعلمي، Mrad ــــ مصطفى مراد، وn.e.u آل دباس) نهاية الشهر الجاري بعد 10 سنوات على دخول مقدمي الخدمات قطاع توزيع الكهرباء وعملها في قراءة العدادات وبعض أعمال الصيانة والتركيب والجباية. الشركات الأربع تبرّر فشلها بوجود آليات عمل متداخلة مع مؤسسة كهرباء لبنان تعرقل «نجاحها»، وتقترح توسيع صلاحياتها لتخطّي ما تسمّيه «عراقيل»، طالبة زيادة قيمة العقود إلى 500 مليون دولار، أي أكثر من ضعف ما كانت تحصل عليه سابقاً. لكن النقابة ترى أنه لا ضرورة لتجديد العقد، بل يمكن تمديده كما حصل سابقاً ضمن فترة معقولة بالاستناد إلى آليات «تعليق المهل» التي تمنح الشركات أشهراً إضافية من العمل، في انتظار حسم معركة استرداد القطاع بشكل كامل من الشركات إلى كنف مؤسسة كهرباء لبنان. أما هذه الأخيرة، فاكتفت برفض توسيع الصلاحيات، ووضعت ملاحظات على مشروع التجديد تتضمن الآتي:
ــــ سيصير للشركات الحقّ في إعداد الدراسات وجدوى المشاريع من دون العودة الى المؤسسة أو الوزارة إلا لأخذ الموافقة.
ــــ تعديل آلية الدفع والفوترة من خلال إلغاء القيمة النقدية لفاتورة الكهرباء، وإعطاء الحقّ للشركات بطبع الفواتير وتحديد الإصدارات (وهو أمر غير منطقي بسبب غياب المكننة)، فضلاً عن أن تحديد الإصدارات يعني إدارة المال العام.
ــــ أخذ الشركات الصفة العدلية بحيث يصير لها حق التفتيش عن التعدّيات وتسطير محاضر ضبط، مع أن هذه المهام تدخل ضمن صلاحيات الموظفين في كهرباء لبنان وهم موظفون محلّفون يحقّ لهم تسطير محضر ضبط، بخلاف موظفي الشركات (علماً بأن هذه التعديلات بحاجة الى قانون من مجلس النواب)، لكن الحجّة هي أن لا قدرة للمؤسّسة حالياً على تزويد المختبر بالفنيين المؤهّلين والمتخصصين، مع أنه يُمكن الاستعانة بفنيّين من مقدّمي الخدمات بدلاً من أن تقوم الشركات بذلك بشكل مستقلّ.
ــــ سيكون للشركات الحقّ في تلقّي الشكاوى وإصلاحها أو تنفيذ الأعمال المطلوبة من دون العودة إلى المؤسّسة أو أخذ إذن مسبّق منها، كتركيب المحطات والعدّادات والأعمدة ومدّ الكابلات.
مشروع العقد بصيغته المقترحة يمنح الشركات امتياز قطاع الكهرباء بشكل مقنّع


تداخل سياسي معيشي
بهذه الخلفية، نفّذت النقابة، الأسبوع الماضي، إضراباً لثلاثة أيام، وهي ستجتمع هذا الأسبوع لتقرّر خطوات إضافية، سواء على مستوى الإضراب لأيام أو اللجوء إلى الإضراب المفتوح. لكن المسألة لا يمكن حصرها بالنقاش الدائر حول تجديد العقد أو تمديده أو حول توسيع صلاحيات مقدمي الخدمات مقابل إلغاء وظائف في مؤسسة كهرباء لبنان، بل تنطوي على بعدٍ سياسيٍ لا يتعلق برفض أو قبول خصخصة قطاع التوزيع في الكهرباء كأداة لسياسات رأسمالية ذات طابع زبائني، بل مرتبطة بكون الوزارة محسوبة على «التيار الوطني الحرّ»، مقابل نقابة للموظفين محسوبة على «حركة أمل». الصراع السياسي في زواريب لبنان الانتخابية وانعدام الكيمياء بين الحزبين ورئيسيهما، فضلاً عن كون الشركات الملتزمة تقديم الخدمات محسوبة سياسياً على حلفاء الطرفين أو خصومهما... كل ذلك يتداخل مع مسائل حقيقية لها انعكاس فعلي في يوميات المقيمين، ومن ضمنهم العاملون في القطاع. فهؤلاء يخشون اليوم، بعد انهيار قدراتهم الشرائية، أن تُلغى وظائفهم من أساسها لمصلحة شركات مقدّمي خدمات التوزيع. وخشيتهم أن يتوسّع الأمر لينتقل من قطاع التوزيع إلى قطاع الإنتاج والنقل، أي الخصخصة الشاملة للمؤسسة. ما يعني أنهم سيفقدون ما تبقى من مداخيلهم بشكل نهائي.

صيغة امتياز
رغم ذلك، يطمئن الوزير فياض إلى أن «لعمال وموظفي مؤسسة كهرباء لبنان أدواراً محفوظة ولن يكون أي منهم مهدّداً بخسارة وظيفته. نحن بحاجة إليهم ليقوموا بمراقبة ما يقوم به القطاع الخاص». لكن صالح يعتقد أن المسألة بمقدار ما تتعلق بإلغاء الوظائف والخصخصة، هي بمثابة براءة ذمّة للشركات التي فشلت «لهذا السبب طلبنا تشكيل لجنة للتدقيق بما قامت به الشركات وما تعدّه إنجازات مقارنة مع الأكلاف الهائلة التي دفعت لها. فها هم اليوم يريدون الاستحواذ على مختبر فحص العدادات ويسعون ليكونوا مفتّشين محلّفين يسطّرون محاضر ضبط ويريدون أن يقبضوا بالمطلق على قراءة العدادات وإصدار الفواتير وجبايتها وتحصيل الأموال العامة التي توضع في حساباتهم لفترة غير معروفة قبل تسليمها إلى المؤسسة».
في هذا السياق، تشير جهات حزبية قريبة من الطرفين إلى أن مشروع العقد بصيغته المقترحة قد يُعفي الشركات من أي مسؤولية، مشيرة إلى أن هذه الصيغة لا تتحدّث فقط عن توسيع صلاحيات ينعكس تقليصاً في دور «كهرباء لبنان» أو تهديداً لمستقبل العاملين في قطاع التوزيع، بل تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير لأنها تمنح الشركات امتياز قطاع الكهرباء بشكل مقنّع، وتشرّع إعطاءها صلاحيات «غير آمنة» تمهيداً للخصخصة الكاملة، علماً بأن التجديد يحوّل الفشل إلى «مكافأة» ستحصل عليها الشركات ومن هم وراءها. وبمعزل عما إذا كان فشل المقدمين هو من سيتحوّل إلى مكافأة، فمن الواضح أن مشروع خصخصة قطاع التوزيع في الكهرباء بكامله كان فاشلاً وسيكافَأ الأطراف السياسية الذين وافقوا عليه، أي جميع المتخاصمين اليوم من التيار الوطني الحرّ إلى حركة أمل وحزب الله والتقدمي وسواهم من قوى السلطة.
ومع اقتراب مدة انتهاء العقد، يُرجّح أن تأخذ هذه الأزمة مساراً تصاعدياً، فتتكرّر خطوات الإضراب لعدّة أيام، في مقابل إصرار وزارة الطاقة على موقفها من تعديل العقد، والتهديد الذي تمارسه الشركات بوقف الأعمال فور انتهاء العقد.

لا مانع من التمديد سنة
معارضة تجديد عقود مقدّمي الخدمات لا تأتي من مؤسّسة كهرباء لبنان أو نقابة الموظفين وحدهما. فالمؤسسة سألت هيئة الاستشارات والتشريع عن رأيها في تطبيق قانون المهل على عقد مقدّمي الخدمات، فأجابت بأنه لا مانع في السير بالتمديد بموجب قرار من مجلس الوزراء يراعي فترة التحضير لعقود جديدة (سنة حدّاً أقصى). بل هناك قوى سياسية أبلغت الوزير رفضها للمشروع ووجود ملاحظات عليه، وهناك مخاوف أيضاً. مع الإشارة إلى أن مشروع تجديد العقد أعدّ في عام 2019 ولم تستطِع الوزيرة السابقة ندى البستاني تسويقه بعدما جوبِهت برفض شديد.