ما كان موضع نقاش وخلاف في الرأي بين مجموعات المجتمع المدني قبل انتخابات نقابة المحامين، حُسم أمره بعدها. بعض هذه المجموعات كانت تتريّث في إبداء رأي جازم في شأن التحالف مع حزب الكتائب لخوض الاستحقاق النيابي. لكن الأداء الكتائبي الذي ساهم في إسقاط «مرشح الثورة» في نقابة المحامين لمصلحة المرشح المدعوم من الأحزاب، وتكرار المشهد نفسه في نقابة الصيادلة، وضع أمام هؤلاء نموذجاً عن الاستراتيجية التي يعتمدها الكتائب في أي انتخابات، ومؤشراً لما يمكن أن يحصل في الانتخابات النيابية. فحتى مرشح «تَقَدُّم»، حليف الكتائب في ما يعرف بـ«جبهة المعارضة اللبنانية»، لم يسلم من تشطيب الكتائبيين لينتهي بـ... 70 صوتاً.كل ذلك، معطوفاً على تراكمات قديمة، جعل مجموعات أساسية (كـ«بيروت مدينتي» و«المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» و«لنا» و«أسس» وائتلاف «شمالنا» الذي تشكل حديثاً من 4 مجموعات ناشطة في الشمال) تحسم قرارها بعدم مدّ اليد فوق الطاولة أو تحتها لحزب الكتائب. كذلك تنفي غالبية هذه المجموعات أن تكون على تواصل مع «كلنا إرادة»، فيما الاجتماعات التي كانت تجمعها بمنصة «نحو الوطن» لمحاولة الوصول الى اطار مشترك، توقفت بعد مواجهة هذه المنصة مشكلات داخلية، ولم تعد الاجتماعات بالوتيرة المكثفة السابقة رغم أن ثمة من يقول بأنه يتم العمل على ارساء قاعدة مشتركة مع «نحو الوطن»، بعد الاتفاق على المبادئ الأساسية التي تطالب بها المجموعات، وبعد أن تكون المجموعات نفسها قد جمعت بعضها بعضا ليكون سقف تفاوضها قويّاً.
وكانت «نحو الوطن» واجهت مشكلة الشهر الماضي إثر دمجها مع «كلنا إرادة»، بطلب من الجهات الممولة. إلا أن تعيين رئيس مجلس إدارة «كلنا إرادة» الكتائبي «السابق» ألبير كوستانيان منسقاً للمنصتين المدموجتين، خلافاً للاتفاق على تعيين شخص محايد في هذا المنصب، أفشل الدمج، فأعلنت «نحو الوطن» خروجها منه، فيما بقي بعض أعضاء اللجنة التوجيهية لـ«نحو الوطن» لا يتعدون خمسة أشخاص ضمن مجموعة «كلنا إرادة». وبحسب المعلومات، فإن النائبين المستقيلين، سامي الجميل وميشال معوض، تبلغا من الأميركيين أنهما لن يحصلا على دعم مادي إلا في حال بناء ائتلاف معارضة فعّال. لذلك انطلقا في مشروع جمع «المعارضة»، ولعبا على خط الممولين لثنيهم عن دعم أي منصة لا تتحالف معهما.

14 آذار «راجع»
المشكلة بين المنصتين ليست على شخص كوستانيان، بل «على المشروع الذي يقوده»، وفق مصادر مطلعة تشارك في الاجتماعات. و«الشرخ العميق» يتعلق بالوجهة التي يتبناها كوستانيان وأعضاء «كلنا إرادة»، وتشمل نقاطاً عدة، أهمها:
1- مفهوم السيادة. فثمة من يرى أن السيادة تعني محاربة إيران ورفض العمل مع من لا يعتبرها عدواً، من دون أن ينطبق الأمر نفسه على الولايات المتحدة مثلاً. لا بل يرفض هؤلاء المقارنة بين أميركا وإيران من أساسها باعتبار الأولى «تقدمية» و«مودرن» وتدعم «التغيير». وهذه كانت نقطة الخلاف الأولى بين أصحاب هذا «المنطق»، كالكتلة الوطنية مثلاً، وبين مجموعات أخرى.
2- خلال الاجتماعات كان كوستانيان يرفض كل الإحصاءات مشدداً على ضرورة التركيز على الشارع المسيحي حصراً من أجل إحداث تغيير فيه. وهنا فُهم بوضوح أن مشكلته ومن يؤيّده هي مع التيار الوطني الحر كحزب سياسي، وأن التصويت يجب أن يكون عقابياً للاقتصاص ممن اختار التحالف مع حزب الله، ولو تطلب ذلك تحالفاً مع أحزاب سياسية «سيادية» بالمفهوم الأميركي، وليس بناء طبقة سياسية جديدة مترابطة قادرة على العمل مع بعضها بعضاً.
3- تبني كوستانيان وصحبه شعار «كلن يعني حزب الله والتيار الوطني» بدل «كلن يعني كلن».
تصويت الكتائب في انتخابات المحامين أثار «نقزة» المجموعات من التحالف مع الحزب


4- خلال نقاشاتها مع المجموعات الناشطة، كانت «كلنا إرادة» (وهي مجموعة عمل سياسية غير ناشطة على الأرض) تؤيد بوضوح التحالف مع الكتائب والنائبين معوض ونعمة أفرام، وفي الوقت نفسه تطمئن المعترضين بأنهم هم من سيترشحون ويركّبون اللوائح، ولن تفرض عليهم خيارات لا تتناسب مع مبادئهم. أدى ذلك إلى استشعار بعض المجموعات بالخطر، خصوصاً بعد الحديث عن إمكان دعم «لوائح تغييرية» أو مرشحين في لوائح منافسة. علماً أن «كلنا إرادة» نشطت، في السنوات الماضية، في التنسيق مع الأحزاب السياسية عبر اختيار شخص من كل حزب للتواصل معه، يتمتع بمواصفات قريبة من تفكير المجموعة للتنسيق معه، وهي الطريقة نفسها التي تعتمدها مجموعات العمل السياسية أو Pac في الولايات المتحدة. لذلك كله، نشأ خلاف على طريقة العمل بين المجموعة و«نحو الوطن» التي لا تتبنى استراتيجية «كلنا إرادة» في توزيع الأموال على مرشحين محددين يخدمون مصلحتها، بل تقوم استراتيجيتها على بناء ماكينة انتخابية قوية تدعم اللوائح وتنظم لها الحملات.
5- استخدام «كلنا إرادة» الدعم المالي لفرض خياراتها على المجموعات الناشطة، كما جرى في جلسة لكوستانيان مع مجموعة «أسس». إذ وضع هؤلاء أمام خيارات ثلاثة: «دعم لائحة ميشال معوض وعندها نموّل اللائحة كاملة، أو تشكّلون لائحة أخرى شرط ألا تنافس معوض ونموّل اللائحتين (وهذه معضلة بحاجة لتفسير)، أو لا تقبلون ولا نمّولكم».
ما يجري اليوم بين المجموعات هو عملية «غربلة» بين من يطمح إلى تقديم تجربة سياسية جديدة، ومن يحنّ إلى إعادة العقارب إلى عام 2005 وقلب موازين القوى وتقديم تجربة شبيهة بتجربة الأمانة العامة لـ14 آذار، لكن بقيادة كتائبية هذه المرة على ما يبدو، بعدما بدأ سامي الجميل عقد اجتماعات مع شخصيات مستقلة في بعض الدوائر للبحث في التحالف معاً.
هذا الشرخ ألقى وزره على «نداء 13 نيسان» الذي يضم «المرصد الشعبي» و«بيروت مدينتي» وتحالف «وطني» و«منتشرين» و«الكتلة الوطنية» وغيرها. إذ بدت «الكتلة» و«منتشرين» أقرب إلى الكتائب وكوستانيان. وبدا ذلك واضحاً بسلوك الكتلة خلال تشكيل لائحة «نقابتنا» في انتخابات المحامين، إذ تولت الكتلة شقّ المجموعات وانسحبت بعد رفض التحالف مع الكتائب. والأمر نفسه تكرر مع مجموعة «منتشرين»، بما يشير إلى أن «كلنا إرادة» ستكون منصة تسويق لأحزاب سياسية كانت في صلب منظومة السلطة عندما كانت تفيض «خيرات» على أطرافها، وخرجت منها فور إفلاسها، وتريد اليوم العودة إليها مجدداً بعدما اعتقدت بأنها تمكّنت من غسل أيديها من آثام المرحلة الماضية



«كلّنا إرادة»: ندعم الائتلافات الموسّعة ولا نحسم
تقرّ الأوساط القيادية العاملة في منظّمة «كلّنا إرادة» بوجود خلافات بين المجموعات الراغبة في خوض الانتخابات النيابية المقبلة حول كيفية بناء التحالفات السياسية والانتخابية. وتوضح أنها تعمل «وسيطاً» بين هذه المجموعات للوصول الى تسويات مقبولة من الجميع، مع ميلها الى دعم الائتلافات الواسعة التي تساعد على ضمان الفوز، ولكن وفق تفاهمات سياسية.
وفي شأن الجدل حول دمج «كلنا إرادة» و«نحو الوطن» والتواصل مع مجموعات محددة والموقف السياسي الإجمالي، أوضح الرئيس التنفيذي في «كلنا إرادة» ألبير كوستانيان لـ«الأخبار» الموقف على الشكل الآتي:
«سبق أن أوضحت اللجنة التوجيهية لـ«نحو الوطن» المغالطات التي رافقت موضوع الدمج بين «كلنا إرادة» و«نحو الوطن». ويهمّنا هنا التوضيح أنّ خمسة أعضاء من أصل سبعة، أصبحوا اليوم ضمن مجلس الإدارة الجديد الذي يمثّل كلتا المنظّمتين، من أجل العمل وفق أطرٍ تنسيقية متكاملة، لتحقيق الأهداف المشتركة والمرجوّة.
1- إننا على تنسيق مع كل المجموعات، ولا سيما «بيروت مدينتي»، «لنا» و«أسس» وغيرهم، ونعمل باستمرار معهم ونؤكد أن خبر ابتعادهم عن «كلنا إرادة» غير صحيح.
2- ليس هناك أحد في «كلنا إرادة» يؤيّد أي تدخل أجنبي في لبنان، والمنظّمة ترفض أيّ مساس بسيادة لبنان من أيّ طرف كان.
3- ليس صحيحاً أن كل المجموعات ترفض التحالف مع قوى سياسية «تقليدية» كحزب الكتائب أو النائبين المستقيلين ميشال معوض ونعمة فرام أو نائب صيدا أسامة سعد وغيرهم. لو كان هذا هو الواقع، لكان الأمر حتماً محسوماً. والحقيقة أن التحالفات هي أمر خلافي بين المجموعات. و«كلنا إرادة» لم ولن تدخل طرفاً في هذا الخلاف، بل تحاول تقريب وجهات النظر ووضع معايير سياسية لأيّ تقارب أو تحالف، بغية تشكيل أوسع ائتلاف من القوى المعارضة، وهذا ما أثبت فعاليّته في انتخابات نقابة المهندسين، بينما الشرذمة أتت بنتائج كارثية على نقابة المحامين».