قرّرت إدارة صندوق النقد الدولي إجراء تغيير في موقع رئيس الفريق المعني بملف لبنان في الصندوق بعدما انتهت مدّة رئيس الفريق السابق مارتن سيريزولا. وحتى الآن لم يعرف بعد من هو الشخص الذي تقرّر تعيينه بدلاً من سيريزولا، إلا أن وقع الخبر كان مفرحاً جداً في لبنان ولا سيما على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعلى المصارف. فالرئيس السابق للفريق هو من اتّهم سلامة في إحدى جلسات التفاوض السابقة أيام حكومة حسان دياب بأنه يشعل سعر الصرف، وهو ما حصل فعلاً، وهو من اقترح أن يكون هناك «هيركات» مباشر لشطب الخسائر بالعملات الأجنبية اللاحقة بمصرف لبنان والمصارف، بدلاً من تقليص قيمتها بواسطة إفلات تضخّم الأسعار وتعدّدية أسعار الصرف اللتين يمارسهما سلامة لغاية الآن.وعلى رغم أن تغيير سيريزولا يأتي في سياق تغييرات روتينية في الصندوق الذي لا يسمح لأي رئيس فريق بأن يعمل في القسم نفسه أكثر من 7 سنوات، إلا أن التغيير لم يكن متوقعاً لأن إجراءات الصندوق تسمح بأن يطلب الشخص المعني في موقع المسؤولية تمديد تعيينه في موقعه لمدة سنتين إذا اقترنت بالاستقالة بعد انتهاء التمديد. وسيريزولا طلب هذا التعيين في وقت سابق، وقد سرّبت أخبار عن موافقة إدارة الصندوق على هذا التمديد. لكن ما حصل، بحسب تقاطع المعلومات بين أكثر من طرف سياسي في لبنان، يشير إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبطلب من حاكم مصرف لبنان، استخدم حقّ لبنان في الاعتراض على وجود سيريزولا في لبنان، طالباً تعيين بديل.
ميقاتي استخدم بطلب من سلامة حقّ لبنان في الاعتراض على التمديد لسيريزولا


ويُعرف عن الموظف الدولي بأنه كان على معرفة واسعة بالوضع في لبنان وبتركيبة المنظومة فيه، ومدى انخراط هذه المنظومة في النظام المالي وعمليات النهب التي حصلت طوال العقود الماضية. وهو على خلاف كثيرين في صندوق النقد الدولي، لم يكن يقوم بعمله انطلاقاً من المعايير المعتمدة في الصندوق فحسب، بل كان يبني مخططاته في ملف لبنان بالاستناد إلى الخلفية المعرفية، وبالاستناد إلى خلفية أخرى تتعلق بأزمة الأرجنتين. فهو أرجنتيني عايش الأزمة هناك بشكل شخصي وخسرت عائلته الكثير من مدخراتها وثرواتها في الأزمة التي اندلعت هناك على رغم كل التحذيرات التي وجهها لعائلته عن انفجار حتمي قبل أن يحصل.
سيريزولا لن يتكرّر في لبنان، بل سيأتي خلفه في إطار قرار سياسي من القيمين على الصندوق، وخصوصاً الجانب الأميركي، بالتعامل مع أزمة لبنان باعتبارها أزمة مفتوحة يجب أن تبقى كذلك، مع بعض الانفراجات النسبية التي ستضع لبنان تحت مقصلة الوصفة التقليدية المعروفة للصندوق، وتحت رحمة القرار السياسي للجهة الأكثر هيمنة عليه في العالم، أي الولايات المتحدة. الوصفة التقليدية تعني أنه سيتم التعامل مع المجتمع في لبنان كأرقام وأعداد ومؤشرات فضلاً عن أنها تأتي بعدما أتيح لقائد المنظومة في لبنان رياض سلامة وبتغطية سياسية واسعة، بأن يرسم مساراً أدّى إلى تصحيح بعضاً من الاختلال الاقتصادي على حساب تدمير المجتمع وإفقاره وتهجير الأدمغة والعمالة الكفوءة وتدمير المؤسسات الصحية والتربوية... أما الهيمنة الأميركية، فهي تعني أنه سيتم التعامل مع المنظومة القائمة حالياً في لبنان، والتي تحاول إعادة إنتاج نفسها عبر الاقتراض من الصندوق، عبر استمراريتها التي ستكون مرتبطة مباشرة بالأهداف السياسية التي ترسمها الإدارة الأميركية في إطار المفاوضات القائمة في المنطقة بين أكثر من طرف. فحتى الآن ما زال ميقاتي يستحوذ على دعم أميركي «كبير» ستتم ترجمته بقرض جديد يحصل عليه لبنان من البنك الدولي لتمويل البطاقة التمويلية، وفق مصادر قريبة من ميقاتي.