أيّ اتفاق يمكن أن تتوصل إليه الحكومة مع صندوق النقد الدولي خلال فترة لا تتعدّى نهاية السنة الجارية؟يقول المطّلعون إن الهدف هو أن يتفق الطرفان على برنامج «تسهيلات الصندوق الممدّد» الذي يتيح للبنان الاستفادة كحدّ أقصى بنسبة 435% من حصّته في صندوق النقد الدولي، أو استحصاله على استثناء من هذه النسبة بالاستناد إلى «ظروف استثنائية» وفق شروط ومعايير لا يفصح عنها الصندوق علناً. إنما في كل الأحوال، إذا توصّل الطرفان إلى اتفاق، ستتم صياغته في «اتفاق أولي» أو في «خطاب نوايا» يُعرض على المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للموافقة. هذه الموافقة هي بشكل أساسي أميركية، كون الولايات المتحدة تملك الحصّة الكبرى من الأسهم ونسبتها 17.46% مقارنة مع خمس دول تليها في الملكية هي اليابان والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا بحصّة إجمالية تبلغ 26.97%.
ويقدّر المطّلعون أنه بنتيجة الاتفاق على «تسهيلات الصندوق الممدّد» سيحصل لبنان على قرض بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار، يتم تسديدها على دفعات أُولاها تكون دفعة أولى يُرجح أن تسبق الانتخابات النيابية، وقيمتها لا تتجاوز 750 مليون دولار. أما الإفراج عن باقي مبلغ القرض فهو مشروط بأمرين: أن ينفّذ لبنان البند أو البنود المتّفق على تنفيذها مقابل الدفعة الأولى، وأن يكون قد تجاوز مرحلة الانتخابات النيابية وتألّفت حكومة جديدة يمكنها التعامل مع الصندوق لتنفيذ ما تبقّى من اتفاقية القرض. الإفراج عن الدفعات التالية رهن بتنفيذ باقي التزامات لبنان.

ما هو المطلوب من لبنان مقابل هذا البرنامج؟
ما تسرّب حتى الآن من كواليس النقاش الدائر بين فريقَي ميقاتي وصندوق النقد الدولي أن هناك خمسة شروط أساسية: إقرار قانون كابيتال كونترول، توحيد أسعار الصرف، الضبط الجمركي، الالتزام بمعالجة الكهرباء وشبكات الأمان الاجتماعي. لكن ليس واضحاً ما هو ترتيب تنفيذ هذه الشروط أو حتى تزامن تنفيذ أكثر من بند دفعة واحدة، إنما الأهم بالنسبة إلى قوى السلطة هو الحصول على الدفعة الأولى التي ستشكّل عاملاً مساعداً في الانتخابات النيابية.

لماذا هذه الشروط بالتحديد؟
لأن قوى السلطة ليست قادرة على توسيع التزامات لبنان مع الصندوق. هي تدرك أنه ليس بإمكانها مجاراته في ما سيطلبه من إجراءات يسمّيها «إصلاحات هيكلية» قد تصيب ما تبقّى من بنية قوى السلطة والتي تعمل على إعادة إنتاج نفسها بعد الانهيار المالي والنقدي وتداعياته. والصندوق يُدرك الأمر أيضاً، لذا لا يُظهر الكثير من السلبية تجاه التعامل مع حكومة ميقاتي، وهذا ما ظهر في الزيارة الأخيرة التي قام بها المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وممثل المجموعة العربية فيه محمود محي الدين. لهذا السبب هناك تركيز كبير من الحكومة على ملفات الطاقة والكهرباء، وسيظهر هذا التركيز خلال الفترة المقبلة أكثر من غيره من البنود المتفق عليها. ويمكن أن يظهر وجود اتفاق على قانون للكابيتال كونترول أو القيود على حركة رأس المال، رغم أن هذه القيود منفّذة اليوم بحكم الأمر الواقع الذي تمارسه المصارف بغطاء من مصرف لبنان وبغضّ نظر من مجلس النواب. هذه القيود لم يعد لها لزوم حالياً إلا لجهة تحديد وجهة استعمال الأموال الآتية من صندوق النقد الدولي والتحكّم بمدى استفادة لبنان منها. ويمكن أن يصبح قانون كهذا لازماً، إذا قرّر مجلس النواب أن يمنح المودعين بعضاً من أموالهم المحجوزة بشكل غير مشروع لدى المصارف. إلا أنه لا يُرجح أن يحصل أمر كهذا لأن مجلس النواب ساكت منذ سنتين عن كل ممارسات المصارف ومصرف لبنان تجاه المودعين.
شروط الصندوق: كابيتال كونترول، توحيد أسعار الصرف، الضبط الجمركي، معالجة الكهرباء وشبكات الأمان الاجتماعي


الإشكالية الأهم التي ستواجه التزام لبنان تجاه الصندوق، هي تلك المتصلة بتوحيد أسعار الصرف. لا يمكن القيام بعملية توحيد أسعار الصرف من دون تسجيل فوري لكل الخسائر الحاصلة في الجهاز المصرفي، أي في مصرف لبنان والمصارف. أي خطوة من هذا النوع تعني أن المصارف عليها أن تدفع الودائع بسعر الصرف الموحّد، وأي استثناء للمصارف من سعر الصرف الموحّد يعني وجود سعرين لليرة. كذلك، فإن توحيد سعر الصرف يعني أن مصرف لبنان سيترتب عليه الاعتراف بالقسم الأكبر من خسائره فوراً. تقول دراسة أولية أجراها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق إن توحيد سعر الصرف يفرض خسائر فورية على المصارف بقيمة 18 مليار دولار، أي أكثر من رساميل المصارف التي تدنّت عن هذا المستوى.
توحيد أسعار الصرف هو بمثابة إعادة هيكلة للقطاع المصرفي. بالفعل، هي الخطوة التي كان يجب البدء بها منذ أكثر من سنتين. ففي فترة بين مطلع 2019 ومنتصف السنة نفسها، بدأت المصارف تتوقف عن الدفع، ولو كانت هناك أي سلطة مصرفية موضوعية ومحايدة، أي غير منخرطة في تبديد الودائع وتوزيع المال العام على قوى السلطة وأزلامها، لكانت فرضت على المصارف تسجيل خسائرها المحقّقة في نهاية السنة المالية، ثم أحالتها إلى لجنة الرقابة على المصارف لدرس أوضاعها، ثم أحالتها إلى الهيئة المصرفية العليا لحسم مصير كل من لا يلتزم بما تطلبه اللجنة من إجراءات لزيادة الرساميل وإعادة تكوين السيولة الخارجية والمحلية والملاءة المطلوبة بحسب معايير المحاسبة الدولية المنصوص عنها في مؤتمر بازل - 3.
في الواقع، تجنّب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمساعدة قوى السلطة في مجلس النواب والحكومة وفي مواقع رسمية أخرى، كل هذه الخطوات منذ توقّف المصارف عن الدفع. لا بل جرى تدمير المجتمع خلال هذه الفترة التي تبلغ سنتين وأكثر، من أجل الامتناع عن إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية. لذا من المستغرب جداً أن يكون أفراد هذه السلطة عازمين على القيام بذلك عاجلاً أو آجلاً.
وسواء كان تنفيذ الالتزام شاملاً كل البنود أو بعضها، فإن التوصل إلى اتفاق لا يضمن معالجة جذرية للأزمة في لبنان هو حلّ مؤقت وظرفي لا يقدّم أي ضمانات بأن الأزمة ستقف عند حدود ما، وأنه يمكن كبح تداعياتها، بل على العكس، فإن الحلّ المؤقت يراهن على تغيّر ما محلي أو إقليمي أو دولي. وبمعزل عن طبيعة ونتائج تحوّل كهذا إن حصل، فإن لبنان سيكون رهينة هذا التغيّر. ففي ظل الظروف الحالية التي تشير إلى أن الحاجات التمويلية بالدولار للمسائل الوجودية الحيوية المتعلقة باستيراد الغذاء والمحروقات والدواء والمستلزمات الطبية والطحين، فإن مبلغ الـ750 مليون دولار الذي سيحصل عليه لبنان من الصندوق كدفعة أولى لن يكون كافياً لتمويل هذه المستوردات لأكثر من شهرين أو ثلاثة في أحسن الأحوال، وذلك حتى لو قرّر لبنان استخدام المبلغ كلّه على الاستيراد، أي بعيداً من الإصلاحات المتفق عليها مع الصندوق. ولو افترضنا أن هناك تدفّقات من المغتربين تغطّي بضعة أسابيع من استيراد هذه السلع، فإن التغطية الزمنية الأقصى التي يمكن أن تتوفّر للبنان لا تزيد عن بضعة أشهر. بعد ذلك، «حنفية» التمويل ستكون بأيدٍ دولية على وقع نتائج انتخابات طازجة. قوى السلطة تعلم ماذا تفعل. الصندوق بمن يمثّل، يعلم ماذا يفعل.



قالت مصادر في وزارة المال إنه يجري إعداد الداتا للجهات التي طلبتها سواء في صندوق النقد الدولي أو شركة «لازار» على أن يتم تسليمها خلال ثلاثة أيام، علماً بأن مهلة التسليم تنتهي نهاية الأسبوع المقبل، أي أنه لم يحصل أي تأخير في هذا المجال.


تسلّمت شركة «الفاريز مارسال» الداتا من مصرف لبنان وهي تعمل حالياً على التأكد من مواصفاتها وما إذا كانت تتطابق مع المعايير التي تسمح بإجراء التدقيق الجنائي بالشكل المناسب. وخلال وقت قصير سيظهر مدى التزام مصرف لبنان بتسليم الداتا اللازمة لإنجاز عملية التدقيق أو قيامه بعرقلة الأمر كما فعل سابقاً.


لم يُتفق بعد على الصيغة التي سيتم من خلالها إقرار بديل من تصحيح الأجور في القطاع العام، إلا أنه من الثابت وجود اتفاق على أن يكون البديل عبارة عن مساعدة مالية للعاملين في القطاع العام، أو سلفة على غلاء المعيشة. ويتوقع أن تدفع هزالة هذا الإجراء إلى هجرة الأجراء ذوي الكفاءة تقنياً وقانونياً وإدارياً نحو القطاع الخاص أو خارج لبنان.