يبدو أن كل محاولات المماطلة في توقيع عقد التدقيق الجنائي قد استُنفدت. ثمانية أشهر مرّت على إقرار قانون رفع السرية المصرفية عن حسابات مصرف لبنان لمصلحة التدقيق الجنائي، استُهلكت كلها على عشرات المراسلات التي تهدف إلى إعادة تفعيل التدقيق، بعدما توقف في أيلول 2020.لم يبق من المهلة التي حددها القانون سوى أربعة أشهر. لكن إذا صدقت النيات، يفترض أن تكون كافية لإنجاز شركة «الفاريز أند مارسال» مهمتها. الخطوة الوحيدة المتبقية قبل بدء العمل هي توقيع وزير المالية غازي وزني العقد. وقد صار محسوماً أنه سيوقّعه خلال أيام. بعدما سبق أن وقّع ممثل شركة «الفاريز ومارسال ــــ الشرق الأوسط» جيمس دانيال (عضو مجلس الإدارة والمفوض بالتوقيع) بداية الأسبوع. دانيال كان قد أرسل العقد موقّعاً منه عبر البريد الإلكتروني، قبل أن يرسل النسخة الأصلية من العقد يوم الخميس الماضي.
وتمهيداً للتوقيع من قبل «المالية»، صدرت، يوم الجمعة، موافقة استثنائية عن رئيَسي الجمهورية والحكومة، قضت بنقل اعتماد بقيمة 4 مليارات و927 مليون ليرة من احتياطي الموازنة العامة إلى موازنة وزارة المالية على أساس القاعدة الاثني عشرية. وعليه، بعد الحصول على الموافقة على تفويض الوزير بالتفاوض مع الشركة على تعديل العقد، وبعد موافقة هيئة الاستشارات على التعديلات، ثم صدور الموافقة على نقل الاعتماد، لم يبق، قبل توقيع العقد، سوى الحصول على الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة. وقد أكدت مصادر وزارة المالية أن العقد سيرسل إلى الديوان اليوم الاثنين، على أن يوقّعه الوزير بعد إصدار الموافقة المسبقة. وفيما أوضحت مصادر الديوان أنه فور تسلّمه العقد لن يتأخر قبل إصدار القرار بشأنه، توقّعت مصادر معنية أن لا يرفض الديوان الموافقة المسبقة على العقد، كما حصل مع العقد السابق، لأن الوزارة التزمت هذه المرة بالآلية القانونية المفترض اتباعها، فيما عمدت في المرة السابقة إلى عرض العقد على الديوان بعد توقيعه.
وعليه، ما إن يُوافق الديوان على العقد تكون الطريق قد فُتحت أمام توقيعه رسمياً من قبل وزير المالية، بما يتيح للشركة بدء العمل. أما في حال عدم الموافقة، فتكون «المالية» بحاجة إلى موافقة استثنائية جديدة لتخطّي رأي الديوان ثم توقيع العقد. لكن بحسب الأجواء المحيطة بالملف، فإن الكل صار مقتنعاً بأن التوقيع سيصبح أمراً واقعاً قبل نهاية الأسبوع.
واحدة من النقاط التي أدت إلى تأخير التوقيع كانت مطالبة الشركة بالحصول على كامل المبلغ المتفق عليه مسبقاً. وهو ما رفضته هيئة التشريع والاستشارات، حيث أصدرت في 14 حزيران رأياً استغربت فيه كيف تلجأ شركة، مطلق أي شركة، إلى أن تفرض على الدولة أن تسدّد لها كامل أتعابها قبل قيامها بالمهمة المطلوبة منها، والتي يراد التعاقد معها لإتمامها. لذلك، اقترحت أن يُصار إلى دفع نسبة من الأتعاب عند اتخاذ قرار بدء العمل (بعد تسليم مصرف لبنان كل المعلومات) لا تتجاوز بأحسن الأحوال نسبة 40 في المئة التي كان متفقاً عليها في العقد الأساسي، ولا سيما أن الشركة تكون قد حصلت مسبقاً، وقبل أن تبدأ بمراجعة المستندات والمعلومات المسلّمة إليها من مصرف لبنان، على 100 ألف دولار، يحق لها الاحتفاظ بها في حال إنهائها الاتفاق إذا لم تتمكن من اتخاذ قرار بدء العمل، لعلّة تسليمها المعلومات المطلوبة بشكل غير ملائم.
تجدر الإشارة إلى أن الشركة كانت قد أصرّت في المفاوضات الأولى على:
ــــ أن تدفع الدولة 150 ألف دولار أميركي بدل إنهاء العقد السابق الموقّع في 31 آب 2020 (وافقت هيئة التشريع، فيما رفض ديوان المحاسبة لأن العقد الأساسي لم يحصل على الموافقة المسبقة للديوان، فصدرت موافقة استثنائية، في 7 آب، تجيز الدفع).
ــــ أن تدفع الدولة 100 ألف دولار تحتفظ بها الشركة لضمان تنفيذ العقد.
ــــ أن تدفع الدولة كامل قيمة العقد، أي 2 مليون و740 ألف دولار، بدل أتعاب ومصاريف عند توقيع العقد بما فيها المئة ألف دولار.
ــــ تأكيد مصرف لبنان جاهزية المعلومات المطلوبة منه من قبل الشركة بموجب قائمة المعلومات (IRL) وبالشكل المتفق عليه.
ــــ أن تقدم الشركة تقريرها الأولي في غضون 12 أسبوعاً من تاريخ بداية تقديم الخدمات.
وفيما لم تشكل أغلب المطالب مشكلة بالنسبة إلى الجانب اللبناني باستثناء البند المالي، عادت وزارة المالية وفاوضت الشركة على آلية دفع جديدة. وقد اتفقتا بالفعل على أن تدفع الدولة 100 ألف دولار كضمان للتنفيذ عند التوقيع، ثم 40 في المئة عند بدء الشركة عملها (بعد تسلّمها كل المستندات التي تطلبها من مصرف لبنان)، على أن يلي ذلك 50 في المئة ثم 10 في المئة من قيمة العقد.
أصدر رئيسا الجمهورية والحكومة قراراً استثنائياً بنقل اعتماد إلى وزارة المالية لزوم التدقيق الجنائي


وعلى هذا الأساس، عُدّل العقد، وأرسل مجدداً إلى هيئة التشريع، التي تبيّن لها أنه تم الأخذ بكل الملاحظات التي سبق أن عرضتها، فوافقت بالتالي على التوقيع.
عندما يتحقق ذلك، تعود الطابة إلى ملعب مصرف لبنان. عليه أن يقدم الإجابات عن 133 سؤالاً سبق أن رفض الإجابة عنها أثناء تنفيذ العقد الأول، علماً بأن الشركة لم توافق على عودة التفاوض بشأن توقيع عقد جديد إلا بعد حصولها على «دليل ملموس» بأن المعلومات المطلوبة من مصرف لبنان (كتاب موجّه إلى المالية في 28 شباط 2021) بموجب اللائحة المرسلة إليه سابقاً (14 أيلول 2020) والمحدثة في 20 تشرين الأول 2020، قد تأمنت وأصبح الوصول إليها متاحاً، بما يسمح ببدء التدقيق الجنائي.
بحسب الاتفاق أيضاً، سيكون للشركة مكتب خاص في وزارة المالية وليس في مصرف لبنان، على أن يزوّدها المصرف بالمستندات المطلوبة إلكترونياً. وعندما تعلن «الفاريز» أن لائحة المعلومات قد اكتملت تبدأ مرحلة التدقيق، التي تحتاج إلى 12 أسبوعاً. أما في حال عمد المصرف مجدداً إلى المراوغة والتلكؤ في تسليم المعلومات، فستخرج الشركة بـ 100 ألف دولار جديدة، تضاف إلى 150 ألف دولار التي سبق أن حصلت عليها. ودائماً بسبب عدم قدرتها على «اتخاذ قرار البدء بعملية التدقيق الجنائي نتيجة صعوبات منعتها من الوصول إلى المعلومات المطلوبة».




اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا