صحيح أن البلاد دخلت مرحلة الانهيار الشامل، وأن هيكل الدولة يترنّح، وأن الفوضى المتنقّلة تخلّف كل ما من شانه أن يفاقم الأزمة، إلا أن من السذاجة تصديق أن ما يجري في قطاع الكهرباء ليس سوى تراكم صدف. البلاد وصلت إلى الدرك الأسفل، حيث لم يتّعظ كثيرون من مجزرة التليل، فعمد مسلّحون إلى إطلاق النار على الجيش وعلى محطة للوقود في منطقة الكفاءات في الضاحية الجنوبية، «احتجاجاً» على توقيف شخص من عائلتهم! كل ذلك يبقى من ضمن «يوميات الانهيار». لكن ما تعرضت له منشآت تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان يحمل في طياته ما هو أخطر. فبعد أسبوع من السيطرة على محطات التحويل في الجنوب وبيروت والشمال، من قبل «محتجّين»، وتسبّبهم بأضرار لمعامل الكهرباء والشبكة نتيجة تحويلهم التيار من منطقة إلى أخرى بصورة اعتباطية، اندلعت أمس، «فجأة»، النيران في محطة صبرا للتحويل في بيروت، بالتزامن مع اندلاع النيران في محطة للكهرباء في دير عمار في الشمال. ورغم أن من غير المحبّذ في حالات مماثلة القفز إلى استنتاجات متسرعة بشأن ما جرى، إلا أنه لا يمكن النظر ببراءة إلى «الحادثتين» اللتين تزامنتا أيضاً مع اندلاع النيران في مولّد كهرباء عائد لهيئة أوجيرو.
«لجنة الأشغال» ووزارة الطاقة طالبتا الجيش بحماية محطات التحويل

صحيح أن سكان لبنان يعانون من انقطاعات تكاد تكون غير مسبوقة للتيار الكهربائي على الأقل منذ عدوان تموز 2006، وذلك بقرار متعمّد من السلطة السياسية، وتحديداً من الكتل النيابية التي عارضت منح سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان لتمويل شراء الفيول، إلا أن ذلك لا يعني تشريع قطاع الكهرباء أمام تدمير بنيته التحتية الفقيرة أصلاً. وفي حال ثبوت أن ما جرى كان مفتعلاً، لا حوادث متفرقة تزامنت بالصدفة، فإن ذلك يعني إمكان فتح الباب أمام مسلسل أمني يهدف إلى إدخال البلاد في مرحلة أكثر خطورة من مراحل السقوط الحر. فتدمير البنية التحتية للكهرباء، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية، يعني المزيد من الانهيار مع تأخير إمكان الخروج منه، وتشريع البلاد على المزيد من الفوضى.
رفع الدعم: لجنة الأشغال «تتمنى»
في السياق عينه، لم يعد أحد يناقش في مصير قرار مصرف لبنان رفع الدعم. كل المرتجى هو امتصاص تداعيات القرار. لجنة الأشغال العامة لم تخرج عن هذا السياق. ففي الاجتماع الذي عقدته أمس برئاسة النائب نزيه نجم، وحضور الوزيرين ريمون غجر وغازي وزني، وبمشاركة ممثلين عن مصرف لبنان وممثلي مستوردي الفيول، طُلب من المصرف، في إطار التمني، زيادة السعر بشكل تدريجي بدلاً من زيادته دفعة واحدة من سعر 3900 ليرة للدولار إلى 18 ألف ليرة، لكن لمدة لا تتعدّى 10 أيام. الطلب يحتاج إلى موافقة المصرف. وقد ربطت هذه المدة بإمكانية توزيع البطاقة التمويلية خلالها، بالرغم من أن جميع الحاضرين في الاجتماع يدركون أن ذلك شبه مستحيل، إذ إن إعداد البنية التحتية لتقديم الطلبات، ثم فتح باب التقديم، سيحتاج إلى أشهر لإنجازه.
كذلك اتفقت اللجنة على ضرورة حماية محطات تحويل الكهرباء في كل المناطق من قبل الجيش اللبناني بأقصى سرعة.
وفي سياق متصل، أبلغ وزير الطاقة المشاركين أنه بصدد تقديم خطة شاملة لتزويد البلد بالكهرباء، لمدة تتراوح بين 12 و16 ساعة خلال أسبوع أو عشرة أيام. ومن ثم يقدم طلباً الى مجلس النواب لاتخاذ القرار المناسب.
كما أبلغ غجر اللجنة أن اتفاقية شراء الفيول مع العراق، «سيبدأ تنفيذها تباعاً في 3 أيلول. علينا أن ننتظر أن تبدأ وتصلنا المحروقات بعد عشرة أو 15 يوماً بعد 3 أيلول»، مشدداً على ضرورة حماية المحطات من الجيش اللبناني، ومناشداً وزيرة الدفاع وقيادة الجيش «أن يكونوا موجودين للحماية».