القرار مُتّخذ لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتوقّف عن فتح اعتمادات لاستيراد كلّ أنواع السلع، حتى لو مسّت بأمن السكّان الصحّي والغذائي. يخترع الحجج والعقبات للتوقّف عن تمويل الاستيراد، من دون أن يكشف في الوقت نفسه عن المبالغ المُتبقية لديه بالعملات الأجنبية. يُخفيها حتّى عن رئيس الجمهورية. تدرّج الأمر لديه من الامتناع عن دفع الفواتير العالقة للشركات المستوردة، مروراً بالتوقّف عن فتح المزيد من الاعتمادات، وصولاً إلى ابتزاز السلطة بأنّه بحاجةٍ إلى تغطية قانونية للصرف من حساب التوظيفات الإلزامية (يُسمّيه حساب الاحتياطي الإلزامي). هذا الحساب يملك سلامة براءة اختراعه وقد أنشأه بموجب تعميم، ولم يطلب يوماً قانوناً لتشريعه وتحديد موجباته وآلياته. حَصر كلّ أموال المودعين بهذا الحساب الذي يقول بأنّه بات فيه 16 مليار دولار أميركي، ليُغطّي على سرقة 80 مليار دولار من الودائع. وبعدما حصل من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال على «موافقة استثنائية» على استعمال «الاحتياطي الإلزامي» لفتح اعتمادات لشراء المحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي لمدّة ثلاثة أشهر على سعر صرف 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة للدولار الواحد، أخرج أرنباً جديداً بأنّ الموافقة الاستثنائية غير كافية لتغطيته قانونياً، لذلك يطلب إصدار نصّ تشريعي يُحدّد له التصرّف بأموال التوظيفات الإلزامية. لا يتحدّث عن الاعتمادات لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، بل عن الاعتمادات المطلوبة منه لاستيراد البنزين والمازوت. عبّر سلامة عن ذلك صراحةً خلال الاجتماع الذي عُقد يوم الخميس في قصر بعبدا، وكان مُخصّصاً لبحث أزمة الدواء واستيراده. وقد اتّفق على أن تكون التغطية القانونية من ضمن مشروع بطاقة ترشيد الدعم.استمر سلامة خلال الاجتماع بممارسة التضليل والخداع، وتحديداً في ما يتعلّق بأموال التوظيفات الإلزامية. فالحاكم كان قد أعلن أنّه لم يعد يستطيع التصرّف بأي دولارٍ من التوظيفات الإلزامية لأنّه استنزف كلّ قدراته. أما في اجتماع الخميس، فأبلغ الموجودين بأنّ لديه 400 مليون دولار يُمكنه استخدامها، زاعماً أنّه يدفع كلّ أسبوعين 150 مليون دولار لاستيراد المحروقات. «أين طارت الأموال؟»، سؤال وجّهه الرئيس ميشال عون إلى سلامة، فردّ الأخير: «ألزمتُ المصارف فقط بوضع 15% كاحتياطي عملات أجنبية، ولم أطلب منها توظيف أغلبية الودائع لدى مصرف لبنان. المصارف مسؤولة عن توظيفاتها». كلام سلامة اتّهام مُباشر للمصارف بأنّ تصرفاتها غير المسؤولة، وتوظيفها أموال المودعين في مكانٍ واحد من دون دراسة المخاطر، أدّت إلى اختفاء الأموال. لكنّه بذلك أيضاً يُدين نفسه، كمراقب ومُنظّم للقطاع المالي، ويُدين لجنة الرقابة على المصارف وبقية الجهات الرقابية، بأنّها كانت طوال سنوات تتفرّج على «المجزرة».
سلامة لعون: المصارف مسؤولة عن مصير الودائع


أثناء الحديث عن الـ 400 مليون دولار، طلب وزير الصحة حمد حسن حجز كامل المبلغ لتأمين استيراد الدواء. قال سلامة إنّه «يلتزم بما يُقرّره المُجتمعون»، لكنّه أصرّ على أن يُسجّلها كديونٍ على الدولة اللبنانية مع شرط أن تكون ديوناً مميزة، فتحظى بـ«أولوية الدفع»، وبالدولار النقدي. يعني أنّ مصرف الدولة الذي يمدّها بالعملات الصعبة، يُريد منها أن تُفتّش عن الدولارات في السوق وتقوم بدور مُضاربٍ على العملة، وبتسديد الدين الجديد قبل الديون المتراكمة سابقاً. الخلاف حول الأرقام انسحب أيضاً حول الفواتير المتراكمة التي لم يسدّد «المركزي» قيمتها لمستوردي الأدوية. وزير الصحة تحدّث عن تراكم 600 مليون دولار، فيما سلامة يقول إنّ الفواتير المتراكمة هي 485 مليون دولار. وعبّر عن اقتناعه بوجود «تجاوزات» كبيرة في هذا الملف، وتجّار أدوية باعوها في السوق السوداء أو صدّروها إلى الخارج، «ويريدون القبض مرتين». برز التشنّج خلال اللقاء بين حسن وسلامة الذي لام وزير الصحة لإعلانه أمام وسائل الإعلام عن أنّ «المركزي» سيدعم استيراد الدواء تماماً كالمحروقات، وذلك قبل أخذ موافقة المجلس المركزي لذلك.
في هذا السياق، أشار وزير المالية غازي وزني إلى ضرورة «ترشيد الدعم» في إطاره الواسع ومعرفة ما هي حقيقةً الإمكانات المتوافرة، وليس التعامل أسبوعياً مع المشاكل نفسها بالمفرّق. وقال إنّ من واجب الدولة الاستدانة لتأمين الكهرباء، فهذه خدمة عامة وهي مسؤولة عما تستدينه فقط، لكنّه أثار عدم قانونية أن تستدين الدولة لتمويل القطاع الخاص. لم يوافق عون مع وزني من منطلق «عدم جواز أن يموت شعب من قلّة الدواء والمحروقات بسبب فاصلة في قانون. القرار سيصدر عنّا جميعاً، وبالتالي كلّنا نتحمّل مسؤوليته». خلاصة الاجتماع كانت عدم الاتفاق على المبلغ الذي يُخصّص لاستيراد الدواء، والحاجة إلى اجتماع آخر، وعدم معرفة الأرقام لدى مصرف لبنان، وعدم ضمان أن يلتزم سلامة بتمويل الاستيراد.