لا حلول جدّية يمكن الركون إليها في أي من القطاعات الحيوية. بالترقيع تُعالج كل الأزمات. أزمة المحروقات نموذجاً. ارتفاع السعر بما يفوق الخمسين في المئة، لم يسهم في إنهاء الطوابير أمام المحطات. لكن الكهرباء قصة مختلفة. تلك قنبلة موقوتة تُهدد الناس بالعتمة يومياً. في الأصل، استمرار التغذية بالطريقة الراهنة، ليس سوى احتيال على العتمة التي صارت واقعاً.ولّى زمن حلم الـ24 على 24 ساعة تغذية. العودة إلى التقنين السابق، أيام كان الحد الأدنى للتغذية 12 ساعة يومياً، صار أقصى الأحلام. وهذا صعب المنال، بالنظر إلى الواقع الراهن: معدّل التغذية في بيروت اليوم ما بين 5 و7 ساعات، فيما ينخفض في بقية المناطق إلى ما بين 3 و5 ساعات. الكارثة الفعلية أن هذا المستوى المنعدم من التغذية كان أفضل مما سبق. بحسب إحصاءات مؤسسة كهرباء لبنان، فإن الإنتاج ارتفع إلى 788 ميغاواط، بعد عودة الباخرتين التركيتين إلى العمل. وفيما وصلت طاقتهما الانتاجية إلى 293 ميغاواط، لم يزد الإنتاج في معملي الزهراني ودير عمار معاً على 270 ميغاواط (القدرة الإنتاجية القصوى 880 ميغاوط) بسبب السعي إلى تمديد عمرهما، بعدما وصلا إلى مرحلة توجب الصيانة الدورية لهما، والتي تكلّف ما يزيد على 40 مليون دولار، بحسب الشركة المشغلة. وفيما يُنتج المعملان القديمان في الجية والزوق 148 ميغاواط، لا يزال المعملان الجديدان شبه متوقفين عن العمل (ينتجان 32 ميغاواط من أصل نحو 370 ميغاواط) بسبب رفض مصرف لبنان دفع ما يقارب 5 ملايين دولار لتأمين الزيوت وإجراء الصيانات الضرورية. علماً أن دفع هذا المبلغ يمكن أن يزيد التغذية نحو ساعتين إضافيتين.
حتى هذا الوضع المأساوي، أعلنت المؤسسة أنها لن تكون قادرة على المحافظة عليه. إذ أشارت في بيان أمس إلى أنه نظراً لعدم فتح مصرف لبنان لاعتماد باخرة «غاز أويل» وصلت إلى دير عمار في 28 حزيران الماضي، ونظراً لاستنفاد مخزون هذه المادة بشكل حاد جداً، «ستعمد إلى توقيف المعملين بالتتابع، مما سيخفض القدرة الاجمالية لهما بحوالي 150 ميغاواط، ويطيل فترة الإنتاج لأربعة أيام».
هذا يعني أن الإنتاج سيتراجع إلى 638 ميغاواط، والتغذية ستتراجع ساعة ونصف ساعة وسطياً في كل المناطق. كما أن تأخير فتح الاعتماد سيؤدي إلى إطفاء المعملين بشكل تام في اليوم الخامس! وبحسب ما تردد، فإن تأخير فتح الاعتماد يعود إلى خلاف بين مصرف لبنان ووزارة المالية بشأن كيفية تسديد الوزارة للاعتمادات، لكن مصادر «المالية» نفت وجود أي مشكلة، مشيرة إلى أن الاتفاق قضى بالاقتراض بالدولار وهو ما يحصل.
للتذكير، فإنه بعدما فتح مجلس النواب اعتماداً استثنائياً لكهرباء لبنان بقيمة 300 مليار ليرة، رفض مصرف لبنان تحويله إلى الدولار، من دون الحصول على تغطية قانونية سمحت لوزارة المالية الاقتراض من المصرف بالعملات الأجنبية. لكن مع اعتبار أن ذلك كان الحل، فإن الأزمة التي أطلّت في آذار ستعود في نهاية تموز. الـــ200 مليون دولار المخصصة للفيول شارفت على النفاد، ويتوقع أن لا تكفي لشراء الفيول حتى نهاية الشهر. وإذا لم يُفتح اعتماد جديد لن يكون بإمكان وزارة الطاقة شراء الفيول.
سلفة «كهرباء لبنان» تكفي حتى نهاية تموز


لا اتفاق بين المصرف والحكومة بشأن قيمة المبلغ الذي صرف من الاعتماد الحالي حتى اليوم، لكن التقديرات تشير إلى ما يتجاوز 100 مليون دولار. أما سبب الخلاف فيعود إلى الشحنة التي استقدمت أثناء وقف المجلس الدستوري العمل بقانون السلفة. إذ تبيّن لاحقاً أن مصرف لبنان يريد اعتبارها جزءاً من الـ200 مليون دولار. وبالنتيجة، إضافة إلى الـ100 مليون دولار التي صرفت، فإن الـ100 مليون دولار الباقية لن تكفي لأكثر من الاعتمادين اللذين فُتحا لباخرتي فيول (60 ألف طن) ومازوت (50 ألف طن)، إضافة إلى اعتماد يُتوقع أن يُفتح قريباً لشحنة مازوت (55 ألف طن)، بما يكفي لتشغيل المعامل، وفق المعدل الراهن، حتى نهاية تموز.
إلى ذلك الحين، وإلى أن يتضح ما إذا كان سيعاد فتح اعتماد بالقيمة نفسها، كما يتردد (تعتبر وزارة الطاقة أن ذلك يمنع إطلاق مناقصات لشراء الفيول أو وضع خطط للاستيراد)، وطالما أن مصرف لبنان مصرّ على رفض تأمين الدولارات التي يحتاجها القطاع، فإن المؤسسة ستستكمل سياستها في إطفاء بعض وحدات الإنتاج من أجل تقليص استهلاك الفيول وتأخير الصيانات قدر الإمكان. وتؤكد مصادر عاملة في القطاع أن كل ما يجري حالياً سببه حرمان مصرف لبنان للمؤسسة من الدولارات الضرورية لشراء الفيول بالكميات التي تحتاجها ولإجراء الصيانات اللازمة وشراء قطع الغيار، ولولا ذلك لأمكن زيادة الإنتاج إلى 1800 ميغاواط. علماً أن وزارة الطاقة سبق أن أبلغت المصرف أكثر من مرة أن ما يدفعه على الكهرباء يبقى أوفر من تغطيته حاجة المولّدات للمازوت لتغطية الفارق، لكن من دون جدوى. اليوم، وبعدما وصل سعر المازوت إلى 55 ألفاً، فإن هذه المعادلة قد تغيّرت، لأن النقص صار يطال المولدات أيضاً، التي تضطر لإطفاء محركاتها لسببين: عدم توافر الكميّات الكافية من المازوت وعدم القدرة على تعويض ساعات القطع الطويلة، ما يضطرها إلى التقنين بدورها «حماية» لمحركاتها.
بالنتيجة، وبعد بيان «كهرباء لبنان»، ستتراوح التغذية خارج بيروت بين ساعة ونصف وثلاث ساعات ونصف، مقابل ثلاث ساعات ونصف إلى 5 ساعات ونصف في بيروت! وهذا يعني أنه لولا عودة باخرتي الكهرباء إلى العمل، لكانت حلت العتمة بشكل كامل، إذ إن وصول الإنتاج إلى معدل 345 ميغاواط يعني عملياً استحالة تأمين استقرار الشبكة.



كهرباء لبنان دفعت 15 مليار ليرة إلى «كارادينيز»
عادت الباخرتان التركيتان إلى العمل، من دون أن يتضح الغموض المرتبط بأسباب عودتهما إلى العمل. هل فعلاً الأمر يتعلق ببادرة حسن نية، كما أعلنت الشركة في 29 حزيران على أن يليها «نقاش بنّاء مع ​الدولة اللبنانية​ من أجل تحديد حلول للقضايا القائمة خلال الأيام والأسابيع المقبلة»؟
تشير المعلومات إلى أن القرار التركي لم يصدر إلا بعدما رفع المدعي العام المالي علي إبراهيم قرار «منع السفر» عن الشركة، طالباً أن تقوم بتشغيل الباخرتين وإنتاج الكهرباء «فوراً» وإعادة تأمين الكهرباء وفق ما هو معتاد.
القرار الذي صدر في 7 حزيران الماضي يعود إلى التزام ممثل الشركة بدفع مبلغ 25 مليون دولار أميركي للدولة اللبنانية في حال تبيّن وجود سمسرات أو فساد في صفقة البواخر المنتجة للكهرباء.
بعد ذلك جرت مراسلات عدة بين الشركة ومؤسسة كهرباء لبنان، طلبت فيها الشركة التفاوض بِشأن الـ200 مليون دولار المتوجّبة لها على كهرباء لبنان، على أن يعاد تشغيل البواخر، كبادرة حسن نية، إلا أن المؤسسة أكدت أنه في ما يخصها يمكنها أن تدفع موجباتها بالليرة، داعية إلى الاتفاق على جدول الديون. أما في ما يتعلق بطلب الشركة الحصول على أموالها بالدولار النقدي، فهذه مسألة بيد مصرف لبنان. وبالنتيجة، وافقت الشركة على قبض 15 مليار ليرة عرضتها المؤسسة عليها، على أن يصار إلى استكمال المفاوضات.
وجهة نظر الشركة أنه يوجد عقد يحكم العلاقة مع الدولة اللبنانية. لكن في المقابل، تشير مصادر مطلعة على العقد إلى أنه ينص على أنه في حال التخلّف عن الدفع، يتوجب على المؤسسة فوائد مالية على المبالغ المتأخرة. كذلك فإن العقد يشير إلى إمكانية توقف الباخرة عن العمل، بعد توجيه إنذار إلى المؤسسة قبل 30 يوماً.
هل هذا يعني، عطفاً على قرار المدعي العام المالي رفع «منع السفر» عن الشركة أنه صار بإمكانها المغادرة؟ توضح المصادر أن سفر الباخرة لا يتم بين ليلة وضحاها، فهي مربوطة على الشبكة، بالتالي فإن رفعها عنها يحتاج إلى التنسيق مع كهرباء لبنان. أضف إلى أن مصطلح باخرة هو ليس دقيقاً بل هي معمل عائم، ويحتاج نقلها إلى قاطرة بحرية. باختصار، تشير المصادر إلى توقعات بأن تبقى «كارادينيز» في البحر اللبناني إلى أن يحين موعد نهاية العقد في نهاية أيلول. لكن بعد ذلك، لا أحد يضمن كيف تسير الأمور.