حين قرّرت مجموعات من ضمن «انتفاضة 17 تشرين» تنصيب السفير السابق نوّاف سلام كأحد «أبنائها»، وتُطالب بتعيينه رئيساً للحكومة، تغافلت عن أنّه ابن «المنظومة»، وخيار رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة سنة 2007 كسفيرٍ من خارج الملاك (أي لم يخضع لامتحان وزارة الخارجية والمغتربين) في منصب المندوب الدائم للبنان في الأمم المتحدة، قبل أن يُحاول وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان فرضه على القوى السياسية اللبنانية ليُعيّن رئيساً للحكومة. استغل سلام منصبه في الأمم المتحدة، ليُسوّق لنفسه بين بقية الدول حتى يفوز بمنصب قاضٍ في محكمة العدل الدولية - لاهاي، وهو ما حصل عليه سنة 2018. هذا التعيين لا يتمّ بناءً على السيرة الذاتية للأشخاص، وبالتالي لا يؤخذ بعين الاعتبار جدارتهم لتبوّء المنصب، بل يفوز به الفرد بحسب العلاقات العامة التي نسجتها دولته و«المقايضات» التي تُجريها مع مندوبي الدول الذين سيُصوّتون. هكذا فاز سلام بمنصب قاض في محكمة العدل الدولية، حين وعد بقية المندوبين بالتصويت لصالحهم للفوز بمناصب أخرى داخل الأمم المتحدة، مستفيداً من أنّ «البعثة الدائمة» التي كان يترأسها هي التي تُدير الترشيحات إلى مناصب الأمم المتحدة. تصَرّف سلام لخدمة أهدافه الشخصية، ما أدّى إلى حرمان لبنان من إمكانية الترشح للفوز بمناصب ذات قيمة أعلى له. وفي الإطار نفسه، صودف أنّه مع تعيين سلام مندوباً دائماً في الأمم المتحدة، كان قد وصل دور لبنان - بحسب الترتيب الأبجدي - للحصول على مقعد في مجلس الأمن، بعد قرابة 20 سنة من تقديم الطلب. إلا أنّ سلام لم يُقدّم عندها طلباً جديداً ليحفظ مقعداً للبنان حين يحين دوره مرّة جديدة، فصحّحت هذا الخطأ السفيرة آمال مدللي عند تعيينها.وكما استفاد سلام من السلطة والنظام اللبنانيين لضمان مستقبله، تُعاد التجربة نفسها مع زوجته، مندوبة لبنان لدى اليونسكو سحر بعاصيري. الأخيرة أيضاً اختارها رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري سفيرةً من خارج الملاك، وقد تزامن ذلك مع انتهاء ولاية زوجها نوّاف سلام في الأمم المتحدة. تُجنّد بعاصيري حالياً مديرية المنظمات الدولية في وزارة الخارجية والمغتربين، لضمان فوزها بمقعد ضمن المجلس التنفيذي لليونسكو، يضمن لها مستقبلاً في المنظمة بعد انتهاء ولايتها الدبلوماسية، في مقابل حرمان لبنان الترشح لمناصب أخرى، من جرّاء المقايضات التي تتمّ من بيروت لصالح بعاصيري.