يوم أمس، خضع اقتراح قانون الكابيتال كونترول للامتحان الجدّي الأول. لجنة المال والموازنة النيابية بدأت مناقشة مواد الاقتراح. لكن الحذر ظل حبيس المناقشات. كل من يؤيد القانون، يتهيب اللحظة التي سينقضّ فيها «حزب المصرف» عليه لتطييره، بعدما تبين أن نصه يخالف رغبتها في الحصول على براءة ذمة تخوّلها الاستمرار في سرقة أموال المودعين من دون حسيب أو رقيب. المطلوب منها واحد: عدم إلزامها دفع أي مبلغ بالدولار. حتى اليوم، أغلب الكتل تردد أنها تدعم القانون حتى لو كان متأخّراً سنة ونصف سنة. لكن دعم القانون شيء، والسعي إلى تفخيخه شيء آخر
للمرة الثالثة، يُطرح اقتراح قانون الـ«كابيتال كونترول» (وضع ضوابط مؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية) على لجنة المال والموازنة النيابية. في المرتين السابقتين لم يحصل أي تقدم، لأن النقاش بقي في العموميات، لكن في جلسة أمس شرعت اللجنة في مناقشة بنود الاقتراح المعدّ من قبل لجنة فرعية ترأسها النائب ابراهيم كنعان، وتضم النواب: إدي معلوف، علي فياض، ياسين جابر، ألان عون، محمد الحجار، نقولا نحاس وفيصل الصايغ.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
المشكلة الأكبر تتعلق بالأرقام. اللجنة الفرعية اقترحت أن يكون سقف الاستثناءات على التحويلات إلى الخارج 50 ألف دولار، فيما حدد سقف السحوبات بـ 20 مليون ليرة شهرياً، على أن يحق لأصحاب الودائع بالعملات الأجنبية سحب نصف المبلغ بالدولار النقدي، والنصف الآخر بالليرة حسب سعر منصّة «صيرفة». ذلك البند، ولا سيما ما يتعلّق بالدفع بالدولار النقدي، تقف المصارف في وجهه متذرّعة بعدم قدرتها على تمويل هذه السحوبات. لكن أمام اللجنة وثيقة تُثبت أن المصارف سبق أن حوّلت نحو 250 مليون دولار للطلاب في الخارج، خلال السنتين الماضيتين. وهذا ما اعتبره النواب دليلاً على قدرتها على الالتزام بالقانون.

تعديل السقوف
في اللجنة أمس، وعلى قاعدة ضرورة أن تكون الصياغة «مرنة»، تم التراجع جزئياً عن السقوف السابقة، بحجة ترك الحسم للهيئة العامة لمجلس النواب. أقرّ مبدئياً بند التحويلات المالية إلى الخارج، من دون تعديل بسقف الـ 50 ألف دولار سنوياً كحد أقصى لتمويل مصاريف التعليم والرسوم والضرائب والبطاقة الائتمانية في الخارج، كما تقرر أن يضاف إلى هذه الاستثناءات تمويل العمليات الاستشفائية الصعبة.
أما بشأن بند السحوبات النقدية، فقد فتح الباب أمام تخفيض سقف السحوبات من 20 مليون ليرة إلى 15 مليوناً شهرياً، على أن يحسم الأمر في الهيئة العامة. كذلك تم التراجع عن المناصفة بين الليرة والدولار بالنسبة إلى السحب من الحسابات الدولارية. وتركت اللجنة هامشاً بين 25 في المئة إلى 50 في المئة تدفع بالدولار، على أن يبت في الهيئة العامة. لكن بعدما كان يمكن تعديل نسبة الخمسين في المئة بقرار من مصرف لبنان ووزارة المالية، اتفق على أنه في حال اعتماد نسبة الـ 25 في المئة، يسقط هذا الحق عن الطرفين. بمعنى أنه حتى لو ثبتت نسبة الـ 50 في المئة، فإن وزارة المالية ومصرف لبنان يمكنهما تعديل النسبة، بناء على أي معطى مستجد، لكن بما لا يقل عن 25 في المئة. حجة اللجنة في ذلك أن المصرف المركزي، كما المصارف التجارية، إما لم تعط اللجنة الأرقام المطلوبة أو أعطتها أرقاماً متناقضة، علماً بأن رئيس اللجنة ابراهيم كنعان كان قد تطرّق إلى هذا الأمر في بداية الجلسة التي لم يُدع إليها ممثلو الطرفين، سائلاً كيف يمكن التشريع بدون أرقام صحيحة لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص. لكنه أكد أنه، بالرغم من أن دور اللجنة هو دراسة الأثر المالي للقوانين التي تقرّ، إلا أن ذلك لن يثنيها عن إقرار القانون بالمعطيات المتوفرة، والتي تكفي للتأكد من قدرة المصارف على تمويل هذه السحوبات.
مصرف لبنان والمصارف يرفضان التعاون مع لجنة المال


المصارف بالمرصاد
عدم تجاوب المصارف مع طلبات اللجنة، لم يجد فيه أعضاء فيها سوى تعبير عن رفض هذه المصارف للقانون وسعيها إلى عرقلته، بعدما تحمّست له بداية، ظناً منها أنه سيُخصَّص لحمايتها، قبل أن تتبيّن تضمّنه إلزاماً لها بضرورة تمويل الاستثناءات على القيود، إضافة إلى تضمّنه إلزاماً لها بدفع الدولارات النقدية للمودعين. والأسوأ بالنسبة إليها أنه خلافاً لقانون الدولار الطلابي الذي صدر ولم تنفّذه لعدم وجود آليات لإلزامها به، يتضمّن القانون الحالي إجراءات قاسية بحق المصارف المخالفة قد تصل إلى حد الشطب. المصارف نفسها عندما طلب منها تقدير كلفة الاستثناءات، على سبيل المثال، أعلنت بداية أنها تصل إلى 8 مليارات دولار، لكنها عادت وتحدثت عن 6 مليارات، قبل أن تخفضها مجدداً إلى 4 مليارات دولار. أما من جهة مصرف لبنان، الذي يبدو متماهياً مع مصلحة المصارف، فبدوره لم يعط اللجنة ما طلبته من معلومات عن كلفة البنود المالية، أي ما يتعلق بكلفة السحوبات بالليرة والسحوبات بالدولار وكلفة تمويل التحويلات المالية المستثناة، إضافة إلى رفضه إعلان عدد الحسابات المصرفية. حتى المعلومات التي يوافق على تزويد اللجنة بها لا تكون خطية، بل يكتفي ممثّلوه بتقديم معلومات شفهية، هي الأخرى تتغير في كل جلسة. فبعدما قدّر كلفة الاستثناءات بـ 4 مليارات دولار عاد وخفّض تقديراته إلى 2 مليار دولار.
يبدو من مناقشات اللجنة أن أغلب الكتل النيابية تؤيد إقرار القانون، وهذ ما يجعل المصارف تستنفر كل طاقتها لإطاحته، علماً بأن مؤيديه يدركون أنه بعدما هرّبت المصارف نحو 9 مليارات دولار، حسب تقديرات طرحت في اللجنة، فإن المطلوب من القانون صار يقتصر على وقف التمييز بين المودعين، من خلال استثناءات واضحة تنطبق على الجميع، علماً بأن ثمة من يدعو إلى تقليص سقف الاستثناءات المتعلقة بالتحويل إلى الخارج، على اعتبار أن وجود أملاك ومصالح للبناني في الخارج لا تعطيه الحق بأن يحصل على أموال تفوق ما يحصل عليه باقي المودعين.

كتل مترددة
يرجم المتضررون القانون بكلام حق يراد به باطل. هؤلاء يركّزون على ضرورة عدم إعطاء المصارف براءة ذمة من خلال منع المتضررين من رفع الدعاوى بحقها، متغاضين عن حقيقة أن القرارات القضائية التي أدانت المصارف محدودة جداً، بما جعل المصارف تفعل ما يحلو لها من دون أي خوف من العقاب. ولذلك، فإن هؤلاء يرفضون القانون لأنهم لم ينجحوا في عدم تضمينه أي استثناءات على قيود السحب والتحويل، ولم ينجحوا في تحويله إلى صك براءة يلغي القضايا والأحكام المرفوعة. وخير من عبّر عن هذا التوجه هو النائب المصرفي القديم أنور الخليل، الذي اعتبر أن القانون يعدّ بمثابة «سرقة العصر»، بحجة الحرص على أموال المودعين، كما لو أن هذه الأموال لم تسرقها المصارف نفسها ولم تطبق عليها «كابيتال كونترول» استنسابي، علماً بأن الخليل عاد وقال في اللجنة أمس إنه لا يعارض القانون لكنه يؤيد تعديله. اللافت كان إعلان النائب غازي زعيتر أن موقف كتلة التنمية والتحرير مؤيد لموقف الخليل، علماً بأن النائب ياسين جابر كان عضواً في اللجنة التي أقرت الاقتراح. ولم يعرف ما إذا كان موقف زعيتر يعني أن الكتلة ستقف في وجه القانون عندما يحال إلى الهيئة العامة، أو أنها تضغط لتعديله، لكن مصادر مطلعة أكدت أن الكتلة ستسير بالقانون. أما من ناحية حزب الله، فكان واضحاً أنه يؤيد القانون على قاعدة أنه ينهي الاستنسابية التي تمارسها المصارف. وهو ما عبر عنه النائب علي فياض بشكل واضح. في المقابل، فإن تيار المستقبل، وبالرغم من تأييده للقانون، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً للتنصّل منه. إذ أعلن النائب محمد الحجار أن الكتلة «تؤكد ضرورة إقرار القانون، لكن يفترض أن نكون مرنين في ذلك لأننا لا نملك المعطيات اللازمة».

الاعتراض أمام القضاء
بحسب المعلومات، يفترض أن تناقش اللجنة، في الجلسة المقبلة، آلية التحويلات والعقوبات المطروحة على المخالفين. وتجدر الإشارة إلى أنه طرأ على الاقتراح الأصلي بعض التعديلات، أبرزها تأكيد حق اللجوء إلى القضاء كآخر مراحل الاعتراض. فبعدما كان الاقتراح الأول ينص على أنه في حال رفض المصرف طلب التحويل إلى الخارج يحق للأخير تقديم مراجعة أمام الوحدة المركزية الخاصة بالتحويل، وفي حال رفضت الطلب يكون للعميل الحق في تقديم مراجعة أمام المجلس المركزي لمصرف لبنان، بحيث تكون قرارات الأخير غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة. لكن الاقتراح المعدّل عاد واستثنى إمكانية تقديم مراجعة أمام القضاء، في تأكيد على عدم ترك القرارات للمصرف المركزي. أما التعديل الثاني، فيتعلق بصلاحية مجلس الوزراء. الاقتراح كان قد أشار إلى إمكانية تمديد مدة القانون (سنة واحدة) بقرار حكومي. أما في التعديل، وتأكيداً على استثنائية القانون، فقد اقتصرت صلاحية الحكومة على إمكانية تخفيض مدة السنة لا زيادتها.
أمام كل ذلك، يتوقع أن يكون اجتماع اللجنة الاثنين المقبل حاسماً في إطار التقدم نحو إنهاء مناقشة القانون في لجنة المال، على أن تعمد بعد ذلك لجنة الإدارة والعدل إلى مناقشته، تمهيداً لإحالته إلى اللجان المشتركة أو رأساً إلى الهيئة العامة، حيث ستكون مواقف الكتل أكثر وضوحاً.



المصارف توافق على دفع 100 دولار شهرياً؟
تؤكد المعلومات أن المفاوضات بين المصرف المركزي والمصارف التجارية بشأن تنفيذ ما سبق أن أعلنه عن السعي إلى دفع 50 ألف دولار من الودائع، مقسطة على خمس سنوات، تدفع مناصفة بالدولار النقدي (400 دولار شهرياً) وبالليرة على سعر 12 ألف ليرة، قد قطعت شوطاً كبيراً. وفيما يشير الاقتراح إلى تمويل هذه السحوبات، التي قدّرت تكلفتها بـ 3 مليارات دولار، مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف، لا تزال المصارف تسعى إلى خفض سقف الدفعة الشهرية، علماً بأنها وافقت حتى اليوم على دفع 100 دولار شهرياً. أما مصرف لبنان الذي توحي حركته بالكثير من التناقض، فهو يعمل بشكل منفرد كما لو أنه في سباق مع المجلس النيابي، لكنه في المقابل يريد منه تشريع ما يقوم به!