«أسامينا، شو تعبوا أهالينا، تَلاقوها» - كلمات جوزف حرب، غناء السيدة فيروز

«شو إسمك قللي شو إسمك، يا شاغل هالناس بحسنك»
- الصبّوحة تغنّي توفيق بركات

في مشهد شهير من مسرحية وليام شكسبير، تطلب جولييت من روميو الاستغناء عن اسمه الأرستقراطي من أجل الحب، ولا أريد أن أفسد لكم القصة لكن في النهاية يقتلهما هذا الحب اللعين. حب المال، القاتل أيضاً، سبق أن أجبر شركات تجارية على الاستغناء عن أسمائها بعد تلطّخها بالفضائح والتي غالباً تكون دامية وذلك من أجل الإبقاء على أعمالها. أبرز الأمثلة عن ذلك هي شركة المرتزقة الإجرامية الأميركية بلاكووتر التي بدّلت أسماءً وبقيت تسفِك دماءً. وقد تغيّر شركة أسترازينيكا اسمها قريباً حتى لا يؤثّر صيت لقاحها على مبيعات باقي منتجاتها. لكن في بعض الأحيان، لا يكون هناك غير الاسم ويجب الدفاع عنه بأي ثمن. فشريكة أسترازينيكا في إنتاج لقاح كورونا هي جامعة أكسفورد العريقة وبسحر ساحر اختفى اقتران اسمها باللقاح ما إن بدأت تظهر معلومات عن أن اللقاح قد لا يكون أفضل الموجود. في هذه الحالة، إذا زالت هالة الاسم افتضح خبو العراقة، ولا نريد، لا سمح الله، اضمحلال عظمة بريطانيا المسماة عظمى. في انهيارنا المالي الحالي يكتشف كثيرون أنّهم مدمنو سكّر وليس اسم النوتيلا أو الكوكا كولا، على سبيل المثال، وفجأة يعون أن البدائل الأقل تكلفة تفي بالواجب وأكثر، وإدمان السجائر هو بسبب نيكوتينها وليس أسمائها. وقد سارعت بعض الشركات العالمية إلى تخفيض هامش أرباحها على منتجاتها لئلّا تخسر اسمها في السوق. هذا ولم نتطرّق بعد إلى الهوس الدعائي المسمّى ستاربكس.
نُشر في الجريدة الرسمية قبل أيّام خبر تغيير حزب لبناني عريق لاسمه، والذي كان من المفترض أن يكون محفوراً على الصخر وفق أحد أناشيده، من «حزب الكتائب اللبنانية» إلى «حزب الكتائب اللبنانية - الحزب الديمقراطي الاجتماعي اللبناني»، أو «داجل» مختصراً. طبعاً لم يقُم القيّمون على الحزب بهذه الحركة تيمّناً بالتنظيم الذي يرفض الأفول في منطقتنا بل لأن العائلة لاحظت أنه حان وقت التبرّؤ من المثال الهتلري الذي ألهم نشأة الحزب والتقرّب أكثر من المثال الميركلي الديمقراطي الاجتماعي، مبقين على برلين مصدراً للوحي الكتائبي. وبرلين اليوم لا توحي آل الجميّل فحسب إذ تضمّ زحمة الحركات المنبثقة عن حراك 17 تشرين مجموعاتً عدّةً ترى في برلين بوصلة ثورية سخيّة بمالها ومثالها. فهناك ذراع الحزب الديمقراطي الاجتماعي «التنموية» مؤسسة فريدريش إيبرت، على سبيل المثال، التي تنشط بقوّة بين ناشطينا وقد تدعو الرفيقين سامي ونديم إلى مؤتمراتها بعد أن تقرّبا منها اسمياً ليحظيا بحصة الأسد من سخائها. فرئيس «داجل» اليوم يتموقع قائداً سامياً للـ17 تشرينيين مدعوماً بالقوّة الاستعمارية الناعمة كما كان أبوه أميناً على الـ17 أيّاريين مدعوماً بقوّة الاحتلال في حينها، ويساعده في ذلك الإعلام الثوري من كبيرهم المرّ إلى كتاكيتهم الإنستاغراميين الحلوين. طبعاً لن ينجح (كما لم ينجح أبوه) لأن السياسة ليست أسماء دعائية، فالإقطاعي يبقى إقطاعياً ولو سمّي تقدمياً واشتراكياً جيلاً بعد جيلٍ ولن يكون الشيوعي شيوعياً ما لم يشِع. استخدام أسماء هذه الأحزاب كأمثلة ليس استيطاءً لحائطهم ولا ضرباً بالميّت، بل لأنها أسماء توحي بيَسارية حامليها وهنا صلب الموضوع في السياسة إذ تتعدّد الأسماء واليمين واحد. كل الطروحات وكل القوى الفاعلة في الحكم وخارجه بعيدة كل البعد عن «الثورة». فبعد ستة أشهر على تسمية سعد الحريري رئيساً مكلّفاً تشكيل حكومة، يبتكر فشلة التشكيل المغلوب على أمرهم أسماء لحكومة ينتظرون سقوطها من سماءٍ أوروبية تمطر كآبة أو سماء صحراوية حارقة، فهي تكون تكنوقراطية تارةً أو تكنوسياسية أحياناً أو إنقاذية أو عشرينية، وكل ذلك للتهرّب من تسمية المحروسة باسمها الحقيقي، أي حكومة يمينية استعمارية بَنكْدُوَليّة.
طيّر تحالف حكم المصرف قبل عام، من تاج رأس محروميه إلى عمود سمائه وكنعانه وسلامته، إجراءات كانت مطروحة لمعالجة الأزمة (الانهيار) كانت لتطال مكدّساتهم المصرفية الوهمية من خلال قوننة ضبط التحويلات واقتصاص الودائع، والتي لا مفرّ منها للبدء في عمليّة الخروج من قعر الإفلاس، واستبدلتها بأقصى الإجراءات يمينيّةً وأقساها بلعن «سلسفيل» الليرة اللبنانية ومعها القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة بتشغيل طابعات رياض سلامة بوتيرةٍ تجعل أبطال المسلسل الإسباني الشهير «Casa de Papel» يخجلون من تقاعسهم. كما فرض الحاكم بأمر المال اقتصاصاً طوعياً وتدريجياً على صغار المودعين الذين ارتضوا منذ أكثر من سنة ونصف سحب أموالهم بنسبة تساوي اليوم ثلث قيمتها، لا بل يقرّون أنّهم يقومون بذلك طوعاً مع كلّ عملية سحب أموال وفق تعميم السلامة على اسمه. هذا الإقرار المفروض ذلٌّ يوميٌّ للآلاف ممّن تبقّى من الطبقة الوسطى بينما يتحصّن المصرفيون، حتى الآليّون منهم وإن كان يصعب التمييز بينهم، خلف صفائح من الحديد. لا يعني ذلك أبداً أن مشروع حكومة التكنوقراط المستقيلة لم يكن يمينياً بشروط صندوق النقد الدولي، لكنّه رغم ذلك كان توزيعاً أكثر عدلاً لخسائرٍ ما زالت تتكدّس تحت تسمية ودائع.
بالعودة إلى أسماء السياسة عندنا. محاولة إعادة إنتاج أسماء أو الترويج لأسماء جديدة تتنافس في ما بينها على الادّعاء بأنها مختلفة من دون أيّ طروحات سياسية مختلفة ما هو إلّا دعاية فردية لا يمكن تسميتها سياسة حتّى، ما يجعل أي حديث عن ثورة من هؤلاء مضحك. في عجقة أسماء المجموعات التي ظهرت بعد 17 تشرين تجد أن العديد منها لا يمثّل أكثر من «شلعوطين ونص». في رحلة بحث عن أصل كلمة «شلعوط» امتدّت إلى الأندلس ثم إلى فرنسا وعادت إلى عسقلان وحوران يبدو أن الشلعوط هو نوع من البصل. الفرق بين البصل والبطل ضربة قلم، فليس مستغرباً أن يختلط الأمر على أحدهم فيخال نفسه بطل ثورة في حين أن كتلته النيابية كانت حرفياً «شلعوطين ونص». لا يمكن إطلاق اسم معارضة على أي حركة أو مشروع لا يعارض نمط «حكم المصرف» بل يغازله، وكل ما هو غير ذلك دجل دعائي، وخاصة إن أتى من على منبر روميو المصارف وجولييتها. الكيان اللبناني مغرومٌ بمصارفه، ومن الحب ما قتل. ختاماً، لا بد من ذكر أن الأغنيتين المذكورتين اقتباساً في بداية المقالة هما من تلحين العظيم فيلمون وهبي صاحب أغنية «سركيس سركيسيان»، حيث يصادف أنه يذكر الجميّل إخوان، ويسمّي الأشياء بأسمائها… اسمعوها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا