التوحّد، وهو اضطراب في النمو العصبي، لا يسمى مرضاً لأنه لا علاج له. لكن، من خلال المواكبة، يستطيع المصاب تطوير المهارات التي يفتقدها. ولأن المواكبة هذه تستدعي اختصاصيين، انقلبت حياة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد رأساً على عقب مع انتشار وباء «كورونا». فهؤلاء الذين يهابون أي تغيير طفيف في نظام حياتهم، ويميلون إلى الروتين الذي يشعرهم بالأمان، تحوّل الحجر المنزلي، لدى بعضهم، إلى «مقبرة» للمهارات المكتسبة قبل الجائحة، وزادت أعراض القلق وفرط النشاط ونقص الانتباه لديهم؛ إذ إن جزءاً من العلاج هو الخروج من المنزل والتعامل مع الناس وتلقي جلسات النطق والعلاج الوظيفي.وفي المقابل، وقع عبء المواكبة على عاتق الأهالي الذين وجدوا أنفسهم «محتجزين» مع أطفال يعانون اضطرابات لغوية وسلوكية فاقمها الحجر المنزلي وإغلاق مراكز العلاج، ووجب عليهم لعب أدوار المتخصصين فيما معظمهم يجهل كيفية التعاطي مع هذا الاضطراب. فالأهالي الذين لم يواكبوا سابقاً الحصص التعليمية والجلسات العلاجية، «تأزمت حالة أولادهم وتراجعت مهارات هؤلاء اللغوية والسلوكية، لأن المتوحد في الحالة الطبيعية لا يكون مستعداً دائماً لاكتساب الأهداف التي نقدمها، ويتأثر سلباً بأبسط الأمور، فكيف الحال إذا ترك من دون متابعة وتكرار للأهداف المكتسبة؟»، بحسب المشرفة التربوية في قسم التوحد في مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل فاطمة الزين. كما أن فترة الحجر الصحي وتقليل حركة الخروج إلى المدارس والتنقل شكلت بالنسبة إليهم أموراً غير مفهومة، ويصعب عليهم إدراك مخاطرها، وزاد من تدهور حالتهم عدم متابعتهم جلسات العلاج والمتابعة، فضلاً عن عدم قدرتهم على التعبير عمّا يدور دواخلهم في شأن ما يجري حولهم.
صحيح أن هذا العبء شكّل «فرصة ذهبية» لبعض الأهالي لتعلّم كيفية تطوير مهارات أولادهم ومواجهة سلوكياتهم، «ولعب هؤلاء دور الوسيط بين المربين والمعالجين وبين الطفل وبذلوا جهداً لتعويض النقص في الأهداف المكتسبة»، لكن، رغم «جهود الأهالي الجبارة»، تبقى التحديات كبيرة «لتقطيع» هذه الفترة بأقل خسائر ممكنة. «فالتعليم عن بعد حرم الأطفال المتوحدين الأنشطة الصفيّة وعطّل تواصلهم مع الأصدقاء في الصف والملعب والباص، ومع المعالجين والمربين المتخصصين، ما «سيترك أثراً عميقاً على مهارات التواصل الاجتماعي التي يفتقدها المتوحد عادة، وسيخلق صعوبة في التفاعل الاجتماعي بعد عودة الحياة إلى طبيعتها مهما حاولنا تداركها اليوم». كما يزيد الفراغ والوقت الطويل اللذان يعاني منهما المتوحدون خلال فترة الحجر المنزلي من الاهتمامات المحدودة التي تميّزهم عن بقية الأطفال. والمقصود هنا الحركات المتكررة أو السلوكيات النمطية التي يمارسونها على غرار التصفيق أو الدوران أو التحرك يميناً ويساراً باستمرار مثلاً.
تذكّر الزين الأهالي في «اليوم العالمي للتوعية بالتوحد»، اليوم، «بأهمية التشخيص المبكر للتدخل المبكر»؛ إذ «يمكن ملاحظة هذا الاضطراب في سن الستة أشهر عندما لا يظهر طفل التوحد تواصلاً بصرياً، كملاحقة بصرية للأشياء، ولا ردّ فعل. ومع التقدم في العمر، على الأهل الالتفات إلى التأخر في النطق، وفي المنحى الحركي كالمشي والجلوس، وممارسة سلوكيات نمطية غريبة، كاختيار صنف الطعام نفسه دائماً، والتركيز على تفاصيل صغيرة، مثل التدقيق في دولاب السيارة طوال الوقت وإهمال باقي الأجزاء».
بعض التشخيصات يتأخر إلى ما بعد سن الثالثة. وهنا يكون السبب جهل الأهالي والإصرار على تفسير الانزواء بأن الطفل «ليس اجتماعياً»، وتفسير التأخر في النطق بأن «هناك أولاداً يحكون في سن متأخرة». ويصدر التشخيص من قبل فريق كامل متعدد الاختصاصات، من طبيب أعصاب أو طبيب نفسي متخصص في علاج الأطفال، ومعالج نطق، واختصاصي في العلاج الحسي الحركي أو الانشغالي، ومرب متخصص. وأحياناً يستعان بمعالج نفسي لتحديد حدة التوحد بين خفيف ومتوسط وشديد.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا