صحيح أنّ القانون 191 (الصادر عام 2020، والرامي إلى تعزيز حقوق الموقوفين، وأولها خفض إمكانية التعذيب) دخل حيّز التنفيذ في تشرين الأوّل الماضي، إلّا أنّ ما يجري في مراكز التحقيق يشي بعكس ذلك. ما حصل مع موقوفي احتجاجات طرابلس الأخيرة، وفي غالبيّة المخافر، يؤكّد أنّ الأجهزة الأمنيّة تتهرّب من تطبيق القانون. وأكثر من ذلك، يتفاخر بعض قضاة النيابة العامة بعدم تطبيقه ويطلبون من زملائهم أن يحذوا حذوهم. يراهن هؤلاء على إمكان إعادة طرح القانون في مجلس النواب بهدف إدخال التعديلات على بنوده. النيّة واضحة، وهي إلغاء بند سجن القضاة في حال مخالفتهم تطبيق القانون وتفريغ القانون أصلاً من مضمونه، ولو أنّها مُغلّفة باستحالة تطبيق المادة المتعلّقة بتسجيل التحقيقات الأوليّة بالصوت والصورة بسبب عدم قدرة الأجهزة الأمنيّة على تجهيز مراكز التحقيق بالكاميرات ومعدات التسجيل. بدأت القصة عند بداية العام الحالي، وتحديداً بعد انتهاء مهلة الشهرين التي أعطاها المُشرّع للأجهزة الأمنيّة لتأمين التجهيزات التقنية اللازمة. حينها قدّم رؤساء الأجهزة تقريراً إلى النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسّان عويدات، يُفيد باستحالة تأمين التجهيزات في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الراهنة.
عويدات أحال التقرير إلى وزارة العدل لتُحيله بدورها إلى هيئة التشريع والاستشارات، على أمل أن تُبدي الهيئة رأياً يُعفي الأجهزة الأمنيّة من مسؤوليتها، ولكن لم تتطابق حسابات الحقل مع حسابات البيدر. إذ أشارت الهيئة إلى أنّه «على الدولة الرشيدة تأمين الحاجات اللازمة بهدف تنفيذ أحكام القانون».
هكذا، وقع «الريّس» في حيرةٍ من أمره. فعدم تسجيل التحقيقات الأوليّة يعني خرق القانون 191 الذي يُعرّض القائم بالتحقيق، سواء أكان قضاة النيابة العامّة أم عناصر الضابطة العدليّة، لعقوبة الحبس والغرامة.
سريعاً، أخرج عويدات حلاً هو أشبه بـ«تلطيف» خرق القانون وإعطاء الأجهزة الأمنية غطاءً يتيح لها التهرّب من مسؤوليتها. إذ أصدر يوم 11 آذار، تعميماً طلب فيه من النيابات العامة «التشدّد في أعمال رقابتهم على أعمال الضابطة العدليّة لناحية التطبيق السليم لأحكام القانون 191، باستثناء تسجيل جلسات التحقيق بالصوت والصورة».
ويوضح عويدات أنّ «سبب التعميم هو استحالة تطبيق القانون الذي أعطى الأجهزة الأمنيّة مهلة شهرين لتجهيز مراكز التحقيق التابعة لها بالكاميرات». ويؤكّد لـ«الأخبار» أنّ الهدف هو عدم تعريض التحقيقات غير المُسجّلة بالصوت والصورة للبطلان.
في المقابل، هناك من يشير إلى أنّ التعميم الصادر قدّم حجّة للأجهزة الأمنيّة بعدم تسجيل التحقيقات الأوليّة حتى في المراكز المُجهزة أصلاً (كمركز مخابرات الجيش في اليرزة وفرع المعلومات في المقر العام لقوى الأمن الداخلي). وهذا ما يؤكّده أحد الضباط بإشارته إلى أنّ «التعميم لا لبس فيه لناحية عدم تسجيل التحقيقات، إذ أنّ المدعي العام التمييزي شمل كلّ المراكز ولم يستثنِ تلك المجهزة منها».
لن يتم تسجيل التحقيقات حتى في المراكز المجهزة تقنياً!


في الضفة الأخرى، يُحاول نقيب المحامين في الشمال محمد المراد أخذ التعميم بإيجابيّة على اعتبار أنّ «وجود المحامي يحمي التحقيق». ومع ذلك، يشدّد المراد لـ«الأخبار» على «أنّنا سنخوض معركة أُخرى في حال شعرنا بإمكانيّة تفريغ القانون من مضمونه»، لافتاً إلى أنّ «رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى سيدعو ممثلي الأجهزة الأمنيّة من جهة، ونقابتي الشمال وبيروت من جهة ثانية للبحث في أسباب الامتناع عن تنفيذ القانون في العديد من المراكز».
بدوره، يلفت عضو لجنة الإدارة والعدل جورج عقيص لـ«الأخبار» إلى أنّ «كل قانون يُمكن تعديله، ولكن لا يمكن لأيٍّ من النواب أخذ هذا التعديل على عاتقه، خصوصاً أن القانون يعني تطوراً في ذهنيّة الدولة وأجهزتها الأمنية»، لافتاً إلى أنّه «يُمكن تجهيز مراكز التحقيق بالمعدات التي تحتاجها، وذلك عبر التواصل مع جهات دولية معنية بحقوق الإنسان تابعت إصدار هذا القانون».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا