فيما لم تصدر بعد نتائج تحليل عيّنات من ردميات كارثة المرفأ، خصص الاتحاد الأوروبي 800 ألف يورو لمساعدة لبنان على معالجة الردميات، من ضمن مشروع رُصد له ثلاثة ملايين يورو، ويشمل أربع دول هي: فرنسا، إيطاليا، تونس ولبنان، ضمن تشجيع مبدأ «الاقتصاد الدائري» الذي جرى تبنّيه على مستوى عالمي. يقوم المشروع (بالمشاركة مع وزارة البيئة والجامعة الأميركية في بيروت ومقاولين) على نقل التكنولوجيا لإدارة ردميات البناء أو تلك الناجمة عن كوارث كالزلازل والحروب، والمساعدة في التدريب على كيفية إدارتها، إضافة إلى إنشاء معامل (واحد في لبنان) لمعالجتها بعد فرزها وإعادة طحنها واستخدامها في تعبيد الطرق. وأوضح مسؤولون أوروبيون في اجتماع إلكتروني عُقد أخيراً، أن إنشاء المعامل سيتم بعد إعداد دفتر شروط ومناقصة شفافة.لا أرقام دقيقة حول حجم الردميات التي «ينتجها» لبنان سنوياً. لكن نشير، على سبيل المثال، الى أن حجم ردميات عدوان تموز عام ٢٠٠٦ بلغ بين ٤ و٦ ملايين متر مكعب، لم يستفد منها بشكل سليم ومدروس. إذ «تعالج» الردميات في لبنان عادة برميها في الأودية ومجاري الأنهار أو بردم البحر بها. وبعد انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي، اختلط الحابل بالنابل في ما يتعلق بالردميات التي لا تخلو من مواد خطرة، كان يفترض فصلها قبل نقلها بشكل عشوائي.
وتكمن أهمية مثل هذا المشروع في أنه يخفف من استخدام الموارد الأولية من بحص ورمل، ويوفر على الطبيعة اللبنانية مزيداً من التشويه الذي تتسبّب فيه أعمال المقالع والكسارات والمرامل وشركات الاسمنت، علماً بأنه يفترض توسيع قاعدة المشروع ليشمل بعض المختصين في نقابة المهندسين ممن لديهم تجارب مهمة في هذا الشأن.
وتستهلك ورش البناء جزءاً كبيراً من الموارد الطبيعية مثل الصخور والرمل والمياه والطاقة والمنتجات المعدنية. وقدرت دراسة للأمم المتحدة صدرت عام 2006 أن إعادة إعمار نحو 60 ألف وحدة سكنية دمّرها العدوان، تحتاج إلى نحو 3,5 ملايين طن من الرمل والحصى، و1,3 مليون طن من الاسمنت، ونحو 22 مليون متر مكعب من المياه. تلبية محافر الرمل والمقالع والكسارات المحلية لهذه الحاجات خلّفت آثاراً سلبية إضافية من تدمير للمساحات الخضراء وتهديد التنوع البيولوجي، وقُدّرت مساحة الأراضي المشوّهة في ذلك العام، بفعل المقالع والمرامل، بأكثر من 6 آلاف هكتار.
أما في ما يتعلق باستخدام الردميات في تعبيد الطرقات، كما ينص المشروع، فهو أمر يفترض درسه جيداً. إذ يفتقر لبنان إلى استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة، يفترض أن تربط بين كل القطاعات وحاجاتها الحقيقية، وتمنح الأولوية لمبدأ الحماية والحفاظ على ديمومة الموارد على الاستثمار من دون حدود. وبالتالي، لا يمكن الجزم الآن بأن لبنان في حاجة الى مزيد من الطرق أصلاً، إذ إن الأولى تغيير سياسات النقل لناحية تشجيع النقل العام وإعادة إحياء السكك الحديد وتطويرها. وهي مشاريع توفر على الاقتصاد اللبناني وجيب المواطن والطبيعة والصحة العامة معاً.
تكمن أهمية مثل هذا المشروع في أنه يخفّف من آثار عمل المقالع والكسارات


أول دراسة أشارت الى أهمية إعادة تدوير الردميات في لبنان هي التي قدمها حزب البيئة اللبناني عام 2006 مستنداً الى دراسات أولية تظهر وفرة كبيرة في الموارد الطبيعية، مشيراً الى أن مشاريع كهذه يجب أن تكون من ضمن استراتيجية شاملة لإدارة الموارد وتشمل ملفات المقالع والكسارات والمرامل. كما أنه لن تكون ذات فعالية واستمرارية إذا لم ترفق بتنظيم قانوني ملزم يمنح السلطات المحلية دوراً محورياً في التنظيم والإدارة عبر تأمين الأراضي اللازمة للإنشاءات المطلوبة ولتجميع الردميات وفرزها.
كما تجدر الإشارة الى دراسات أولية جرى تداولها في السنوات السابقة حول طرق أخرى لإعادة استخدام الردميات (بعد فرزها والاستفادة من المعادن والزجاج الموجودة فيها لإعادة التصنيع)، عبر إعادة طحنها واستخدامها في صناعة أحجار الخفان، ما يقلّل من الاستخراج الجائر والعشوائي للرمل والحصى.
يبقى أن للمشروع أهمية أخرى تتمثّل في تبنّي لبنان (ووزارة البيئة ضمناً) مبدأ «الاقتصاد الدائري»، وهو أمر ستكون له آثار إيجابية جمّة إذا شمل ذلك القضايا الأساسية التي تتدخل فيها وزارة البيئة، إن كان لجهة إدارة النفايات الصلبة والسائلة، ما يعني التوقف عن التفكير في اعتماد مبادئ الحرق والترميد، أو لجهة وقف إنشاء السدود السطحية للمياه التي تعني قطع طرق مياه الأنهار التي يفترض أن تستمر في الجريان وتذهب الى البحر وتتبخر لتعود وتسقط بشكل دائري يمنح الحياة أهم شروط الديمومة والاستمرارية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا