يستطيع ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي، أن يتصرّف بالوقاحة التي يُريدها في لبنان، فمن الذي سيجرؤ على وضع حدّ له؟ في هذا البلد، يبدو كلّ تصرّف «استعماري» مقبولاً من الطبقة الحاكمة. شينكر ليس وحيداً في هذا السلوك، سبقه كثيرون، آخرهم قبل يومين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. المسؤول الأميركي «واكبه» تصريح وزير خارجيته مايك بومبيو أول من أمس، داعماً مبادرة ماكرون لتأليف حكومة جديدة تتعهّد بما يسميه «إصلاحات» لتحظى بدعم الغرب. وشينكر نفسه عبّر في عدد من اللقاءات عن دعم المبادرة الفرنسية. لكنه بدا كمن يلعب دور «الشرطي السيئ»، في مقابل دور «الشرطي الجيد» الذي أداه ماكرون. لذلك، لم يكن مستغرباً تعمّد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط «نزع الشرعية» عن رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والسياسيين، ويُخصّص يومين في البلد لشرب القهوة مع «الأصدقاء» فقط. لم تكن زيارته هي الحدث، بل جدول الأعمال المُرتبط بها، ولو أنّه في مضمونه، كان مُخصّصاً للقاءات عادية مع شخصيات ومجموعات لم تنجح في كسب «مشروعية تغييرية». ولكن في الشكل، وجّه رسالة أميركية لا تحمل التباساً في التصعيد بوجه القوى السياسية التقليدية وأركان الحكم، من خلال تعمّد عدم طلب مواعيد للقاء أحد منها. لماذا أتى إلى لبنان إذاً وهو مُعارض لعهده وكل مسؤوليه الحكوميين؟ البحث عن «حلفاء» داخليين جُدد. ولأنّ العلاقة الأميركية «المُميزة» مع قيادة الجيش اللبناني لا تكفي وحدها في هذه المهمة، لا بُدّ من البحث عن مجموعات وشخصيات معارضة. في هذا الإطار، يُسجّل أنّ الخطّ المُباشر الذي تفتحه الإدارة الأميركية مع قيادة الجيش قد تكون من النوادر في العالم. زيارات وتنسيق وتعاون، بطريقة «تسلّلية» بعيداً عن مرأى وزارة الدفاع.منذ مدة وواشنطن تنظر إلى القوى السياسية اللبنانية الحليفة لها بوصفها تربطها «تفاهمات» مع حزب الله. وبعد ترنّح القطاع المصرفي الذي كان سنداً لها في لبنان، لم تعد تعوّل إلا على الجيش والمجموعات والجمعيات والشخصيات «المدنية»، والكثير من وسائل الإعلام. وفّرت لـ«حلفائها» الجدد كلّ الإمكانيات لتعمل في الساحة الداخلية، «إلا أنّ هذه المجموعات لم تُفرز قيادات تتفق على الحدّ الأدنى من العناوين»، تقول مصادر سياسية مُطلعة، وهو ما عبّر عنه المسؤول الاميركي في لقائه مع «المدنيين» بواسطة أحد تطبيقات الفيديو عبر شبكة الانترنت. بدا كلام شنكر للمجموعات «تأنيبيا» إلى حد ما، و«مُحبطاً» أيضاً، بحسب ما عبّرت مصادر مطلعة على اللقاء، لافتة إلى أنه أكّد للذين التقاهم بأن موقف إدارته السلبي من القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي لا يعني حُكما وجود بديل عنها. ففي رأيه أن المجموعات «المدنية» لا تزال عاجزة عن تكوين سلطة بديلة. وفي كلامه، دعا شينكر هذه المجموعات إلى «تعزيز روابطها». تُحاول المصادر التقليل من أهمية لقاءات شينكر، «الذي أصلاً هو، وغيره من المسؤولين الأميركيين، يُتابعون التواصل مع عدد من المجموعات عبر الواتساب». وتُشير المصادر إلى أنّ حضور شينكر «لم يرفع معنويات هذه المجموعات، مع عدم إظهاره دعماً وتوجها لإجراء انتخابات نيابية مُبكرة مثلاً». شينكر التقى يوم الأربعاء النائب المستقيل مروان حماده، وعدداً من الذين وصفتهم السفارة الأميركية في بيانها بأعضاء المجتمع المدني (وضاح الصادق وسمير صليبا عن مجموعة «انا خط أحمر»، لوري هاتايان عن «حزب تقدُّم»، حسين العَشّي عن مجموعة «مِنْتِشرين»، وألين جرماني عن مجموعة «لبنان عن جديد»(. كما نُظّم له ليل أمس لقاء في بكفيا، جمعه بالنواب المستقيلين: سامي ونديم الجميّل، الياس حنكش، بولا يعقوبيان، هنري حلو، ونعمة افرام. والتقى امس أيضاً قائد الجيش العماد جوزف عون. وصرّح لقناة «ام تي في» عن وجود تنسيق بين الأميركيين والفرنسيين في ما خصّ مبادرة ماكرون، مؤكّداً أنّ «عقوبات قانون ماغنتسكي ستُفرض قريباً على شخصيات لبنانية». وأضاف لقناة «ال بي سي آي» أنّ المساعدات الأميركية «ستصل إلى الشعب اللبناني عبر الجمعيات. نريد مساعدة الحكومة لكن لا يمكننا القيام بذلك إن لم تساعد نفسها».
سلامة يسوّق لبطاقات الدعم: في انتظار تأليف الحكومة


حكومياً، زار الرئيس المُكلّف، مصطفى أديب، الرئيس ميشال عون مُعلناً رغبته في تشكيل «فريق عمل متجانس وحكومة أخصائيين تسعى للعمل بسرعة لتنفيذ الإصلاحات». ورغم أنّ ماكرون كان قد حدّد مهلة أسبوعين لتشكيل الحكومة، إلا أنّ المشاورات الجدّية لم تبدأ بعد. وتؤكّد مصادر مُطلعة لـ«الأخبار» أنّ الاتصالات بين القوى السياسية مفتوحة والنقاش «يتناول العناوين العريضة التي وضعها ماكرون لجهة تأليف حكومة أخصائيين، وتطبيق مبدأ المداورة في الوزارات الأساسية، وتأليف حكومة مصغرة من 16 إلى 20 وزيراً». بعد الاتفاق على العناوين العريضة، «يُمكن أن تتألّف الحكومة بيومين»، لافتةً إلى أنّ «فريق 8 أذار والتيار الوطني الحر يميلان إلى حكومة مُطعمّة بسياسيين، لأنّ تجربة حكومة التكنوقراط لم تكُن مشجعة». وتوقّعت المصادر أن «تتسارع وتيرة الاتصالات نهاية هذا الأسبوع لتسهيل مسار التأليف، ولا نية لدى أي من القوى للتعطيل».
من جهة أخرى، التقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وفداً من الاتحاد العمالي العام بحث معه مسألة وقف الدعم عن السلع الأساسية. وسيعقد المجلس المركزي للمصرف اجتماعاً الأسبوع المقبل، يبحث فيه مسألة الدعم. تقول المصادر إنّه في ما خصّ الدواء، «سيشترط سلامة على شركات الدواء أخذ موافقته قبل فتح اعتماد». أما بالنسبة إلى المشتقات النفطية، «فأرسل كتاباً إلى وزارة الطاقة يطلب فيها تحديد كميات الاستيراد وحاجات الاستهلاك المحلي، ليُقرّر على ضوئه خطواته». وأبلغ سلامة الاتحاد العمالي العام نيته اعتماد «بطاقات دعم» تُوزّع على الفقراء، «وتُغطّي النسبة التي كانوا يستفيدون منها قبل رفع الدعم». بعد اللقاء، أعلن رئيس «الاتحاد» بشارة الأسمر إبلاغهم الحاكم «رفض رفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية». وبحسب المعلومات، كان ردّ سلامة بأنّ الدعم «مُستمر حتى بلوغ مستوى احتياط الودائع»، لافتاً إلى أنّ «قرار الدعم هو بيد الحكومة المقبلة، والمساعدات المالية التي ستتلقاها». وقال سلامة إنّ المصدر الأساسي لأي مساعدات مالية ممكنة هي دول الخليج، ولكنّ هذه الأخيرة «لن تُساعد حالياً».


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا