بعد ملفات حسابات الدولة وقطاع الاتصالات وجمعية المصارف والصرافين والمتلاعبين بالليرة، وما شهدته من «ضبضبة» وتبرئة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أي مسؤولية عن انهيار سعر صرف الليرة، قرر المدعي العام المالي هذه المرة طرق باب متعهدي ومقاولي الدولة. وبما أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، يبدو أن القاضي علي إبراهيم ينوي مجدداً رمي قنبلة دخانية يقول عبرها إنه يقوم بعمله في مكافحة الفساد، ولكن من دون إعداد ملف أو الاقتراب من المسؤولين عن ملفات المقاولات والتعهدات.بدأت القضية عبر تسريبة إعلامية في 28 أيار الفائت، أفادت بأن إبراهيم «سيستدعي أكثر من 30 متعهداً يتعاملون مع وزارة الأشغال في مرحلة أولى، ثم متعهدين يتعاملون مع وزارات أخرى ومع مجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة». أمس، كان الاستدعاء الأول لدفعة من المتعهدين أبرزهم جهاد العرب. أسئلة وأجوبة على فنجان قهوة بضيافة إبراهيم، قبل أن يغادر المستدعى من دون أن يتضح مصير القضية، ولا تحديد أي مشتبه فيه!
وهنا تسجل ملاحظات على أداء النيابة العامة المالية، أبرزها غياب الملف المُعدّ مسبّقاً من قبل الضابطة العدلية، وتحييد الفاعلين الأصليين، أي المسؤولين في المؤسسات العامة الذين يشكلون شراكة مع المتعهدين، فضلاً عن التحقيقات المنقوصة والاجتزاء في تحديد المسؤوليات، ما ينتج استعراضاً شعبوياً لا يحصّل للدولة حقوقها ولا يقتص من المهدرين والفاسدين.
القوانين التي ترعى الصفقات العمومية ترتب مسؤوليات وموجبات على الجهات الإدارية، من إعداد دفاتر الشروط وصولاً الى التسلّم بعد التنفيذ، علماً بأن التسلّم النهائي هو إجراء تتملك بموجبه الادارة الاشغال وتبرّئ ذمة المتعهد. وبالتالي، فإن أي إجراءات قانونية أو قضائية أو جزائية بحق أي متعهد تستوجب بداية التحقيق في مدى مخالفة الشروط المالية والإدارية والفنية، والاستماع إلى الاستشاري وجهات الإشراف، وتلك المعنية بالتشغيل بعد التسلّم.
البارز في ملاحقة المتعهدين كشركاء في الإثراء غير المشروع، التهويل بإجبارهم على التنازل عن السرية المصرفية. لكنه يبدو تهويلاً شكلياً لتغطية الفاعل الأصلي للجرم من الموظف الرسمي أو القائم بخدمة عامة أو القاضي. في النهاية، تبدو النيابة العامة المالية كمن يمارس، حتى الآن، تحقيقاً انتقائياًـ فتستدعي المتعهد من دون الاستشاري ومن دون البحث في مسؤولية الادارة المعنية أو لجان الإشراف والتسلّم، ولا الكشف على المشاريع المنفذة، ما سيعني، كالعادة، ختم التحقيقات الى الأبد.