يوماً بعدَ يوم، تتفرّع عن قضية «الفيول المغشوش» المُستورد من الشركة الجزائرية «سوناطراك» خيوط جديدة، أقل ما يُقال فيها إنها «لغزٌ» تضيع فيه مسؤولية الشركة، لكنها تبقى مُدانة إلى أن تثبُت براءتها. فالتحقيقات التي فتَحت بابها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، وأدّت إلى توقيف عشرات الأشخاص، بينهم المديرة العامة للنفط أورور الفغالي وموظّفون في المنشآت النفطيّة ومختبراتها، لم تصِل إلى خواتيم تُبرّئ «سوناطراك». القضاء يتعامل مع الشركة كمشتبه فيها، لكن الحكومة قرّرت التصرف كما لو أنها الطرف الأضعف في هذه المعركة، علماً بأنها في موقِع «المُعتدى عليه»، وأبقَت العقد الموقّع مع الشركة ساري المفعول رغم الشبهات. فالحكومة عاجزة عن تأمين البديل فوراً. هكذا تُختَم الملفات على الطريقة اللبنانية التقليدية. تكبُر القضية ثم تصغر، فيُكتفى ببعض الرؤوس الصغيرة الذين يحمِلون وحدهم وزرَ الفضيحة، وحينما تلامس خيوط القضية كبار المتورطين أسماء وشركات تنقطِع الخيوط وتختفي الأدلة.أمس، حطّ «الفيول المغشوش» ملفّاً طارِئاً على جدول أعمال جلسة مجلِس الوزراء، بعدَ التهديد (الكتاب الذي أرسلته شركة سوناطراك إلى وزارة الطاقة) باللجوء إلى خيار التوقف عن تزويد لبنان بمادتَي الفيول والغاز أويل، في حال عدم موافقة لبنان على اتباع وتطبيق الشروط التعاقدية المُحددة في العقد. ويبدو من مُداولات جلسة أمس أن مجلِس الوزراء رضَخ فعلياً لهذا التهديد، وقرّر «صدّه دبلوماسياً» عبرَ وزير الخارجية ناصيف حتّي. بحسب أكثر من مصدَر وزاري، لم تتوافَر أصوات مُعترضة على مسار الالتزام بالعقد حتى نهاية تاريخه، إذ قالَ وزير الطاقة ريمون غجر إن «مناقصة جديدة ستطرح عندما ينتهي العقد الحالي بنهاية 2020».
وُيمكن القول، بالنظر إلى النقاشات المقتضبة، إن غالبية الفريق الحكومي، على رأسهم الرئيس حسان دياب، يتعامل مع الملف بوصفه مسأله لبنانية ــــ لبنانية، ليسَ للجزائر دخل فيها. فالمواقِف التي سُجلت كانت لحزب الله وحركة أمل حصراً، إذ أشار وزيران من الثنائي إلى أن «الملف بحاجة إلى متابعة وتحقيق إضافي»، وجرى التأكيد على أن «العقد الموقّع مع الشركة لا يحميها في حالة تلويث الفيول. فنحن لسنا أمام حالة عرضية، أو حادثة بسيطة، ولا يُمكن للشركة أن تقول بأنها لا تتحمّل مسؤولية»، وبالتالي فإن المتضرّر هنا، أي الدولة اللبنانية، هي مَن يملِك حق اللجوء إلى رفع دعوى، ومقاضاة المتورطين في محاكِم دولية والتوسّع في التحقيقات». وبعدَ الاستفسار عن إقدام الشركة الجزائرية على قطع الفيول، أجاب وزير الطاقة «بأن رسالة الشركة واضحة في هذا الشأن»، شاكياً تعرضه لضغط كبير، وخاصة بعد التوقيفات التي جرت بحق موظفين في القطاع، وهو ما أثر على حركة العمل وانعكس ارتباكاً كبيراً في داخل الوزارة والقطاع، وزاد من مسؤولياته. كما اشتكى غجر «من أن العمل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية، لجهة أخذ بعض أجهزة الكومبيوتر للتدقيق بها ثم ردّها، يؤثر على هذه الأجهزة ونظام التشغيل فيها، والتي نكتشف بعد استرجاعها بأنها تعطّلت». وكانَ لافتاً أن دياب، ورغم كل الضجة التي أثارها هذا الملف، وعلامات الاستفهام التي تدور حول الشركة الجزائرية، يُفضّل التخاطب مع الدولة الجزائرية بآلية دبلوماسية، فكُلِّف وزير الخارجية بهذه المهمة.
من جهة أخرى، علِمت «الأخبار» أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كانَ ينوي استخدام صلاحياته الدستورية وإعادة طرح موضوع معمَل سلعاتا خلال الجلسة. وبحسب المعلومات، جرى التواصل مع حزب الله من خارج الحكومة، لكن الحزب أكد تمسكه بموقفه المعارِض إنشاء معمل في سلعاتا. وبينما تأكد بأن سبعة وزراء على الأقل سيصوّتون مجّدداً ضدّ خيار سلعاتا، تراجع عون عن طرح الموضوع بالتفاهم مع رئيس الحكومة.
وزيران من ثنائي حزب الله ــ حركة أمل يرفضان تبرئة الشركة الجزائرية


في سياق آخر، واصلَ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري هجومه على الحكومة، معتبراً أن «الأسلوب الذي تقارب فيه الحكومة المشكلة القائمة خاطئ»، لافتاً الى أن «نتائج المفاوضات التي نلمسها مع صندوق النقد الدولي تجعلنا لا نفهم شيئاً، لأن من كانوا ضدّ مؤتمر سيدر في السابق باتوا يعتبرون الآن أنه هو الحلّ». وتساءل: «لماذا لم نُطبّقه وننفذ الإصلاحات التي نصّ على إقرارها دفعة واحدة؟ قائلاً: «كيف يُطالبون بتطبيق قرارات مؤتمر سيدر ويعادون دول الخليج والمجتمع الدولي، فهناك مشكل سياسي بين أطراف معيّنين في السلطة ودول الخليج». وفي دردشة له مع الصحافيين قال: «هناك من يلقي كل اللوم على المصرف المركزي والمصارف، ولكن فعلياً الدولة هي التي استدانت 90 مليار دولار، وهناك تيار طويل عريض تسلم وزارة الطاقة وكلف الخزينة 45 مليار دولار. فهل يريدون أن تلقى المسؤولية على المصارف والمودعين؟». وفي معرض رده على «استمرار الهجمة ضدّ الحريرية السياسية» قال: «هل تريدون أن تحاكموا رفيق الحريري في قبره وسعد الحريري أيضاً؟ فلنتذكّر أن المشكلة الحقيقية قائمة منذ عام 1988 حين قصفت بيروت وفي عام 1992 أيضاً».
وعن دعوة الوزير باسيل إلى الحوار برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي أو رئاسة الجمهورية، قال «لا أعرف إن كان يعرف أن هناك مسلمين في البلد. التركيز فقط على أن هذه هي حقوق المسيحيين، وتلك هي حقوق المسلمين، سيُضيع حقوق كل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين».