في التقرير المنشور في «الأخبار» يوم الجمعة الماضي بعنوان «مساوئ الخطة المالية»، ورد أن المستشار المالي للحكومة، «لازارد»، اقترح شطب ودائع مقابل الخسائر المالية المحققة في المصارف بنسبة 54%، لكل الودائع، أو بنسبة 79% للودائع التي تزيد على 100 ألف دولار، أو 130% للودائع التي تزيد على 500 ألف دولار، أو 179% للودائع التي تزيد على مليون دولار. وقد أثارت هذه النسب، ولا سيما الشطرين الأخيرين منها، الكثير من الاستغراب، لأن نسبة الشطب أو «الهيركات» تفوق قيمة الوديعة، فهل هذا الأمر ممكن أو متاح؟قبل الدخول في تفاصيل هذه النسب والهدف منها، لا بدّ من الإشارة إلى أن الخسائر الإجمالية التي حدّدها بشكل أولي تقرير اللجنة الحكومية و«لازارد»، تبلغ 83.2 مليار دولار، وأنها ناجمة بشكل أساسي عن هيركات بنسبة 75% على الدين العام اللبناني، سواء سندات الخزينة أم سندات اليوروبوندز أم شهادات إيداع مصرف لبنان أم ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، كما إنها تشمل القروض المتعثّرة في القطاع الخاص بقيمة 13.2 مليار دولار، أي 30% من مجموع المطلوبات (القروض) على المقيمين.
في الواقع، هذه الخسائر صارت محقّقة، لكن لم يتم تسجيلها على دفاتر أو ميزانيات الجهات المعنية من مصرف لبنان والمصارف وسائر حاملي السندات المحليين والأجانب. بمعنى آخر، لم يتم توزيعها بعد.
ماذا يعني ذلك؟ وكيف تم احتساب توزيع الخسائر؟ الإجابة تشير إلى أنه طالما الخسائر محققة، وطالما أن الممارسات الدولية تشير إلى أنه لا يمكن تغطية هذه الخسائر بأموال دافعي الضرائب، أي من المال العام، فإنه يجب تحميل الدين على رساميل المصارف ورأس مال مصرف لبنان. لكن بما أن الخسائر تساوي أربعة أضعاف رساميل المصارف البالغة 20.7 مليار دولار، فإن شطب هذه الرساميل بات أمراً محتوماً لا بدّ منه، إلا أنه ستبقى هناك خسائر بقيمة 62.4 مليار دولار سيتم اقتطاعها من الودائع.
وتفترض «لازارد»، بحسب العرض المقدم من قبلها لرئاسة الحكومة، أن هيركات بنسبة 54% على الودائع كافة يؤدي إلى تغطية الخسائر كلها، أما إذا تقرّر توزيع الخسائر بشكل مختلف على شرائح المودعين، فإن نسب الاقتطاع تختلف. فإذا تقرّر إعفاء الودائع التي تقلّ عن 100 ألف دولار، فإن نسبة الاقتطاع ستبلغ 79%، وإذا تقرّر إعفاء الودائع التي تقلّ عن 500 ألف دولار، فإن نسبة الاقتطاع ستبلغ 130%، وإذا تقرّر إعفاء الودائع التي تقلّ عن مليون دولار، فإن نسبة الاقتطاع ستبلغ 179%.
هذه النسب هي نظرية، والمقصود منها أن مجموع الودائع التي يفوق كل منها 500 ألف دولار لا يكفي لتسديد الخسائر. وترتيبها بهذه الطريقة هو مؤشّر على انعدام الاحترافية، لأن المطلوب من المستشار المالي أن يقدّم حلولاً عملية لا حلولاً نظرية غير قابلة للتطبيق. وهذا الأمر يعني، أيضاً، أنه يجب ألا تقتصر مساهمة المصارف على رساميلها التي تبخّرت وباتت عبارة عن خسارة واقعة تقنياً سيتم تكريسها بموجب عمليات محاسبية للميزانيات، بل يجب أن تكون مساهمة المصارف أكبر بكثير عبر إجبارها على تقديم رساميل طازجة (من ثروات أصحابها الموجودة في الخارج، كما ممتلكاتهم في لبنان) تسهم من جهة في تغطية قسم من الخسائر أو إعادة تكوين رساميلها.
ثمة قسم من الودائع لم يعد موجوداً إلا على دفاتر المصارف


كذلك يجب عدم الافتراض أنه يمكن إعفاء المودعين من عملية شطب الخسائر. أصلاً هناك قسم من ودائعهم ليس موجوداً إلا على دفاتر المصارف التي لم يتم تنظيفها بعد، أي إنه يجب شطب قسم من هذه الودائع لتنظيف الميزانيات في مصرف لبنان والمصارف والدين العام أيضاً. لكن النقاش هنا ينطلق في أي شريحة من المودعين يجب أن تتحمّل شطب الودائع، وإذا كان يجوز اقتطاع أصل الودائع؟ ما لم تتطرق إليه «لازارد» ولا اللجنة الحكومية، هو أيّ الشرائح يجب الاقتطاع منها وبأي نسب، وهل يجب أن تكون تغطية الخسائر بشكل كامل من اقتطاع الودائع؟ ثمة اقتراحات لم تتطرق إليها «لازارد»، وإن كان بعضها عرض في اللجنة الحكومية، مثل استرجاع جزء من الفوائد المدفوعة على الودائع و«توريق» الودائع إلى أدوات مالية قابلة للتداول بعد فترة ودفع عوائد سنوية عليها.
في المقابل، أشارت «لازارد» واللجنة الحكومية في التقرير الأخير بعنوان «برنامج الإصلاح الحكومي»، إلى أنه سيعرض على بعض فئات المودعين تعويضاً في صندوق التعافي الذي ستوضع فيه مبالغ من الأموال المنهوبة المستردة، ومن أصول أخرى للدولة اللبنانية من دون أن تتضح طبيعة هذه الأصول وطبيعة عمل الصندوق والهدف منه، بل يفهم من هذا الصندوق أن باب الخصخصة مفتوح على مصراعيه، وخصوصاً أن الخطة أو البرنامج أشار في أكثر من بند إلى الشراكة مع القطاع الخاص في الكثير من أشغال البنية التحتية والخدمات الحكومية، وتحرير قطاع الاتصالات...