لا يختلف اثنان على مظلومية طلاب الجامعة اللبنانية في مختلف الكليات، وخصوصاً في كلية العلوم الطبية. هؤلاء يتعرّضون لظلم من إدارة الجامعة الوطنية تارة، ومن قبل إدارات المستشفيات الحكومية تارة أخرى، وفي الحالتين، يعود أصل الظلم إلى سياسات عقيمة كانت، ولا تزال، تتّبعها دولة الهدر والفساد.معلوم أن مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي وضع في تصرف كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية بناءً للمرسوم ٤٦٩٠ (1988)، ليصبح مركزاً طبياً جامعياً تابعاً للجامعة اللبنانية. إلا أننا نرى اليوم خرّيجي جامعتنا الوطنية من أطباء متمرنين ومقيمين، مهدَّدون بفقدان عملهم في «مشفاهم» لصالح خريجي الجامعات الخاصة، فضلاً عن اتهامات توجّه إلى بعض الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية بالاهتمام الزائد بطلاب الجامعات الخاصة على حساب طلاب «اللبنانية».
تكثر الأمثلة على ظلم يلاحق - على مدى ست سنوات من الدراسة وأكثر - طلاباً عزموا على أن تكون مهنتهم إنسانية الجوهر والأهداف. وانطلاقاً من هذه المظلومية، يمكن تفهم منطقية المسارعة إلى حملات الدعم والتصفيق والتحية لهؤلاء الطلاب عند كل إنجاز وحدث محوري يكونون في صلبه، كحدث الـ«كورونا» مثلاً. فبعدما تقرر نقل الحالة الأولى المشخّصة بالإصابة بالفيروس إلى وحدة العزل في المستشفى، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات التحايا لطلاب «اللبنانية» الصامدين «وحدهم» في مواجهة «كورونا»، وعمد بعضهم إلى التصويب على الجامعات الخاصة - إدارة وطلاباً - بحجة قرارها سحب الطلاب من المستشفى الحكومي خوفاً من إصابتهم بالفيروس، ليتبيّن لاحقاً أن الحديث عن هذا «السحب» ليس سوى معلومات مغلوطة اعترف مروّجوها أن هدفهم جذب الانتباه إلى مظلومية طلاب الطب في «اللبنانية».
وبعد انتشار هذه الحملات المبنية على أسس خاطئة، وجب التأكيد بأن كليات الطب في الجامعات الخاصة لم تهرب من مسؤولياتها، وأن طلاب الطب فيها لم يتركوا طلاب اللبنانية وحيدين. بل كانوا، وهم الآن، وسيبقون سنداً للجامعة الوطنية وطلابها، ولن يتركوا واجباتهم ومسؤولياتهم ورسالتهم التي تتجسّد اليوم في المرابطة في خطوط المواجهة الأمامية لفيروس «كورونا»، سواء أكان ذلك تأدية للواجب واستمراراً في العمل من دون المحاججة بأي «ظروف استثنائية» في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، أم من خلال التطوّع في حملات التوعية في الجامعات والمعاهد، وفي حملات الكشف على الوافدين عبر مطار بيروت وجميع المرافئ والمعابر الحدودية (أكثر من مئتي متطوّع من الجامعات الخاصة فقط للكشف على الوافدين).
ما سبق لا يتعارض مع مظلومية طلاب الطب في «اللبنانية» ومعاناتهم. لكن المطالبة بالحق تسقط عندما يتخللها إجحاف بحقوق الآخرين، والسعي إلى العدالة لا يكون بإسقاط الظلم في غير موقعه أو على غير صاحبه، كما أن طلاب الجامعات الخاصة لا يريدون تهليلاً وتطبيلاً عند قيامهم بواجباتهم، إلا أنهم لا يمكن أن يرتضوا أن يُتّهموا باطلاً بالتقاعس والتهرّب من المسؤولية. ومع الإقرار بأن أطباء «اللبنانية» يمثّلون الثقل الأهم في العمل الميداني على صعيد المستشفيات الحكومية كافة، إلا أنهم ليسوا وحدهم، فزملاؤهم في الجامعات الخاصة سيبقون سنداً وعضداً لهم عند الأزمات، لأن قضاياهم واحدة، والمطالبة بحقوق تلامذة جامعة الوطن ليست حكراً عليهم وحدهم، بل هي واجب وطني. لذلك لا بد من التنبه إلى من يحاول أن يصوّر الحدث على أنه صراع بين طرفين، فهذه المحاولات لن تخدم سوى مصلحة من لا يعجبه زخم المطالبين بحقوقهم، خاصة عندما يحاول أحدهم التلميح - عن سذاجة أو خبث - إلى طبقية «الصراع» بين طلاب الجامعة اللبنانية وزملائهم في الجامعات الخاصة، متناسياً أن معظم هؤلاء هربوا من كوابيس الجامعة اللبنانية ليعيشوا تحت وطأة القروض لإكمال دراستهم.
حالة الطوارئ الصحية التي تعيشها البلاد اليوم تستوجب التعاون للعبور بأقلّ الخسائر الممكنة، واليد الواحدة لا تصفق. ولأننا في لبنان، حيث غالبية نماذج التعاون بين القطاعين العام والخاص غالباً ما تكون بؤر فساد وهدر ومحسوبيات، وبحكم موقعنا المحوري في هذه الأزمة الصحية كطلاب طب وأطباء، علينا أن نمد يد العون إلى بعضنا البعض لكي نقدم نموذج تعاون وشراكة يحتذى به في مختلف القطاعات، علّنا نكون بارقة الأمل التي يعبر عبرها لبنان أولى أزماته.
* طالب طب في جامعة بيروت العربية.