لم تكَد دعوة رئيس مجلِس النواب نبيه برّي إلى حكومة «لمّ الشمل الجامعة» تخرُج الى العلن، حتى ارتفع منسوب التحليلات بشأنها، بوصفِها توطئة لعودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وإطاحة خيار الرئيس المُكلّف حسان دياب، وخاصة أن حكومة الـ 18 «اختصاصياً» التي يرُيدها الأخير، ويحُاول أن يرسمها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل تجعلها منتهية الصلاحية قبلَ تدشينها. في الأيام الماضية، برزت مؤشرات على تراجع مسار التأليف الى مُربّع التعقيد في ما خصّ شكل الحكومة وطبيعتها، ربطاً بتطورات المنطقة، إثر عملية اغتيال قائد قوة «القدس» الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، وما تلاها من تداعيات. هذه التطورات بدأت تفرض أسئلة كثيرة داهمت المشهد في لبنان، عمّا إذا كانت حكومة دياب باختصاصييها قادرة على أن تكون درع حماية للبلاد في عزّ العاصفة الإقليمية، وما إذا كانت التطورات نفسها ستفرض على القوى السياسية تعديلاً في شروط التأليف، منها عودة الحريري.هذه التحليلات تنسفها معلومات تؤكّد عدم حماسة أي من الأطراف لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فالفكرة «غير واردة» عند الرئيس برّي الذي لا يزال مُتمسكاً بالرئيس المكلف حسان دياب لتأليف الحكومة، ولكن «ليسَ بالشروط أو المعايير التي تُفرض». وهذا التأكيد يُطيح كل التسريبات عن رسائل يبعث بها رئيس مجلس النواب الى الحريري لاستدراجه الى التكليف من جديد، وتشديده على عودة الحريري يتعلّق حصراً بتصريف الأعمال، إذ يبدو أن التأليف دونه عقبات كثيرة. وليسَ حزب الله بعيداً عن هذا الجوّ، فهو حتى الآن يدعم دياب في مهمته، ولن يكرّر تجربة التفاوض مع الحريري بعدَما «أُضيئت له الأصابع العشرة»، لكنه اختار الهروب من المسؤولية.
ورُغم ما يُقال عن أن القوى السياسية المعنية بتأليف الحكومة، هي على عجلة من أمرها حيال الحاجة الى تأليف حكومة جديدة، أولويّتها معالجة المأزِق المالي ــــ الاقتصادي، فإن المعطيات تتحدث عن إرباك يعترض مسار التأليف. وقد ساد في الساعات الماضية جمود شبه كامل في ما خصّ اتصالات التفاوض بين الرئيس دياب والفريق الذي سمّاه، في شأن المعايير التي ستحكُم تأليف حكومته، من انضمام وزراء من الحكومة السابقة أو أسماء التكنوقراط الذين ستسمّيهم الأحزاب، وسطَ بدعة «وزير تكنوقراط غير سياسي». وهذا الجمود أسبابه تتعلّق من جهة باللاءات ــــ الشروط التي يضعها رئيس الحكومة المكلف على التسميات، وهو ما لا يقبله بري الذي «لن يشارك في حكومة لا تعتمد المعايير المعمول بها». ثم إن التفاوض بينَ دياب من جهة، وعون وباسيل من جهة أخرى لا يزال مدار أخذ وردّ في ظل إصرار باسيل على حصة تتجاوز الثلث المعطل أو الضامن! وعلى ما يبدو أن التركيبة التي كان يجري العمل عليها قد نُسفت في الكامل، وكانت تتضمن مطالبة التيار مبدئياً بوزارات: الخارجية والبيئة والعدل والدفاع والطاقة والسياحة (الأخيرة من حصة حزب الطاشناق الذي يفضّل عودة وزيره الحالي أواديس كيدانيان)، يُضاف إليها وزارة الاقتصاد (كونها معنية بالشأن المالي) ولا سيما أن وزارات المالية والصناعة والزراعة لا تدخل ضمن حصة التيار. ومن ضمن الأمور التي استجدت «اشتراط رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الحصول على حقيبتين، وإلا فإنه لن يُشارك في الحكومة». هذه العوامل كلها متداخلة تجعل من الحكومة العتيدة في مهبّ الريح، وخاصة أن أحداً لن يقبلَ بأن تُفرض عليه أسماء الوزراء، فضلاً عن أن محاولة باسيل «التهام» حصّة الأسد في الحكومة لا تستسيغها الأطراف المعنية بعملية التأليف.
فرنجيّة لن يشارك إذا لم يحصل تيار المردة على حقيبتين


في المحصّلة، بات واضحاً أن الأيام ورُبما الأسابيع المُقبلة لن تكونَ سهلة. بانتظار إعادة تفعيل خطوط التواصل، والخطاب الذي سيلقيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يومَ غد في ذكرى مرور أسبوع الشهيدين سليماني والمهندس ورفاقهما. وفيما ليس معروفاً ما إذا كان السيد نصر الله سيتطرق الى الملف الحكومي من جملة المواضيع التي سيتحدث عنها، لكن لا شك أن كلامه سيرسم ملامح المرحلة المقبلة، وحينها سيُبنى على الشيء مُقتضاه.
ومساء أمس، أصدر الرئيس المكلف بياناً جدّد فيه «التزامه بالمعايير التي وضعها لتشكيل الحكومة»، استناداً الى الإطار العام المتفق عليه «لأنني مقتنع بأنها قد تشكل خشبة خلاص لوقف الانهيار الحاد الذي نشهده على كل المستويات في لبنان». وقال: «سأواصل مهمتي الدستورية لتشكيل حكومة تنسجم مع الإطار العام المتفق عليه: حكومة تكنوقراط مصغرة تؤمن حماية اللبنانيين في الزمن الصعب وتنسجم مع تطلعاتهم ولديها مهمة محددة عنوانها إنقاذ البلد». وأضاف: «لن أتقاعس عن استكمال مهمتي ومتابعة اتصالاتي بالجميع ولن أقبل أن تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا».