صدر الحكم في قضية الطفلة إيلا طنّوس. لكنه، لم يكن حكماً نهائياً. كان حكماً «مبتوراً»، انتزع آخر ما كانت تعوّل عليه الطفلة في معركتها المفتوحة منذ أربع سنواتٍ ونصف في قاعات المحاكمات: الأمل. في هذه الحالة، بالذات، الأمل بالقضاء الذي «لم ينصف إيلا»، كما قال والدها حسّان طنّوس الذي تلقى، أمس، الضربة القاضية في قضية ابنته، بعدما أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، باسم تقي الدين، حكماً قضى بـ«إعادة فتح المحاكمة وإعادة قيد الدعوى على الجدول». لماذا؟ لأنه في السابع من الشهر الجاري، تقدّم وكيل المدعى عليه (الطبيب ع. س. المتهم بارتكاب الخطأ) القانوني بمذكرة خطية «تتضمن مستندات جديدة عبارة عن دراسة حديثة نشرت عن وضع حالة طفلة في الولايات المتحدة شبيهة جداً بحالة الطفلة إيلا طنوس، وقد بترت أطرافها الأربعة (…) بعدما تبيّن أن مناعة الجسم هي الأساس في مكافحة الصدمة الإنتانية، وان المضادات الحيوية الكافية لا يمكن وحدها منع الصدمة الانتانية من الاستمرار (…) وأن ما أبرزه من مقتطفات من الدراسة والمناقشات العلمية الطبية تثبت أن السبب الحقيقي والعلمي هو وجود باكتيريا قاتلة». من هنا، قرّر تقي الدين أن يعيد فتح المحاكمة «لوضع المذكرة قيد المناقشة العلنية عملاً بمبدأ الشفهية والوجاهية والعلنية»، مرجئاً الجلسة إلى الثالث والعشرين من كانون الثاني من العام المقبل.قبل أربعة أشهر، في آخر مرافعة قضائية في القضية، وعد تقي الدين بالحكم النهائي، ولكنه، أمس، أعاد فتح «حلقات» جديدة من المماطلة، لم يعد واضحاً، ما إذا كانت إيلا ستصل بعدها إلى حقها. وهذا يعني أن القضية عادت إلى نقطة بدايتها. إلى اليأس الذي يعاني منه جلّ الواقفين بقضاياهم أمام غرف المحاكمات، بلا طائل. أمس، كان يفترض أن تنتزع إيلا حقها بمحاسبة من «تسبب بتلك المجزرة»، بحسب والدها، ولكن يبدو أن «المعركة طويلة طويلة». و«الطولة» هنا متعلقّة بأمرين: أولهما بديهي وهو ما يتعلق بمسار المحاكمات وتحديد الجلسات والتبليغات للجهات المدعية والمدعى عليها. وهي أمور روتينية، ولكنها قد تطيل أمد المحاكمة لسنواتٍ طويلة. والأمثلة كثيرة، ويمكن هنا الإستعانة بقضية مشابهة هي قضية صوفي مشلب التي لا تزال أمام قاضي التحقيق الأول، في مرحلة الدفوع الشكلية، منذ سنتين، ولا تزال هناك سنوات أخرى قبل صدور قرار ظني. أما ثاني الأسباب، وهو الأصعب، فهو ما فعله القضاء في قضية طنوس: قتل الأمل «وعدم اتخاذ موقفٍ من قضية إنسانية، ثبت فيها الخطأ بواسطة الكثير من التقارير الطبية والفحوص»، يقول طنّوس. أما المذكرة التي تقدّم بها الهاشم بالوكالة عن الطبيب ع. م.، فقد استندت إلى دراسة عن حالة طفلٍ بترت أطرافه في الولايات المتحدة. وبحسب مذكرة الهاشم فإن الدراسة أثبتت «أن سبب البتر له علاقة بجرثومة steptococcus التي تفتك بجسم الإنسان، إن لم يكن لديه مناعة، خلال 24 ساعة». ويكمل أن «مواجهة هذه الصدمة لا يكون فقط بالمضادات الحيوية، إذ أنها لا تمنع وحدها الصدمة الإنتانية من الاستمرار (…) ونصف المعركة ضد الصدمة تعتمد على جهاز المناعة لدى الشخص المصاب». بعد تلك السردية، يخلص الهاشم، استناداً للدراسة، الى أن «الحق» على البكتيريا القاتلة وعلى ضعف جهاز المناعة، لافتاً في النهاية «إلى أن عائلة إيلا تشكو من انخفاض في المناعة وهو أمر وراثي».
«اللي بدو يحكم بقضية إيلا، يا عندو إنسانية يا ما عندو، لأن الحكم يمس الإنسانية»

هذه النقطة الأخيرة كانت قبل المذكرة - وعلى مدى عدة جلسات - هي معركة إيلا وعائلتها، والتي «أثبتت في نهايتها أن العائلة لا تشكو من ضعف في المناعة»، بحسب تقريرين يحملهما الوالد «أحدهما صادر عن مختبر الجامعة الأميركية في بيروت وثانيهما من فرنسا»، يقول طنوس. أما الوجه الآخر من المعركة، والتي تناقض ما ورد في المذكرة، فقد خاضتها عائلة طنوس حول مسؤولية الطبيب ع. م. «في ترك الطفلة من دون مضادات حيوية، علماً أنها عندما وصلت إلى مستشفى أوتيل ديو بعد 7 أيام من المكوث في مستشفى المعونات تحت إشرافه حاملة معها الصدمة الإنتانية، كما بين الفحص هنا، والذي لم يجره الطبيب في المعونات». وتشير التقارير الطبية التي يؤرشف الوالد نسخاً عنها، أن «كل ساعة تأخير عن تقديم العلاج للطفلة تؤدي إلى زيادة احتمالات حدوث الوفاة بنسبة 7,6%». وبحسب تقرير الدكتور أمين القزي، (وهو أحد الأطباء الذين كلف من نقابة الأطباء بإعداد تقرير عن حالة الطفلة)، «فقد تأخر الطبيب ومستشفى المعونات، بسبب تأخر التشخيص، في تقديم الجرعة الأولى من المضادات الحيوية المطلوبة 12 ساعة (…) وهو السبب الرئيسي الذي أدى الى تطور الحالة إلى انتان جرثومي شديد وصدمة شديدة واضطراب التخثر المنتشر داخل الأوعية».
بغض النظر عن كل ذلك، وما يحمله الملف المفتوح منذ أربع سنوات، عادت إيلا إلى نقطة البداية. وهو السيناريو الذي لم يكن قد فكّر الوالد به قبل صدور الحكم. أمس، خرج طنّوس من مبنى قصر العدل في بيروت مكسور الخاطر. فقد كان في باله أنه سيخرج من هناك، حاملاً «حكماً مبرماً من القضاء»، سيجول فيه في معركته المقبلة «ضد نقابة الأطباء». ولكن، لم يحدث شيء.
أمس، حضر طنّوس إلى «العدلية» منذ الصباح الباكر. لم يكن بمقدوره الإنتظار في المنزل. كان عليه أن يكون هنا «كي آخذ الحكم بيدي لأريه لابنتي». وخلال ساعتي الإنتظار اللتين وقفهما أمام قلم المحكمة، كان طنّوس يرسم خطوط معركته المقبلة. كان موقناً بأن الحكم سيكون منصفاً. لماذا؟ لأن «اللي بدو يحكم بقضية إيلا، يا عندو إنسانية يا ما عندو، لأن الحكم يمس الإنسانية، وكل إنسان ما رح يوقف مع المظلوم بيكون ظالم، واللي صار بإيلا مجزرة».
حدث ما لم يكن في الحسبان، فقضية إيلا فتحت اليوم فصلاً جديداً من المحاكمات، تبدأ أولى حلقاته مطلع العام المقبل.