«نحن لسنا ضد الجيش. نحن نحب الجيش، والله نحبه. نحن من 10 أيام نتظاهر بشكل سلمي وحضاري. ليش بدن يشيطنو طرابلس؟». بهذه العبارة كان أحد الشبّان في البداوي يصرخ في وجه إحدى كاميرات التلفزيونات التي كانت تنقل مجريات الإشكال الذي جرى في المنطقة الواقعة في ضواحي طرابلس الشمالية، عصر أول من أمس، بين الجيش اللبناني ومحتجّين كانوا يقطعون الأوتوستراد الدولي أمام المارّة.انتهى الإشكال الذي سقط من جرائه جرحى من الجيش (بالحجارة) والمحتجّين (بالرصاص الحي والمطاطي)، بعد لغط كبير وبلبلة واسعة خوفاً من تفاقم الأوضاع نحو الأسوأ، وحصول تصادم بين الطرفين، وقام إثره بعض المحتجين بحمل أحد عناصر الجيش على الأكف، على وقع هتافات «الجيش والشعب يد واحدة»، دلالة على أن ما جرى «مجرد سوء تفاهم انتهى ولن يتكرر»، يقول أحد أبناء البداوي.
الحرص على العلاقة غير المتوترة مع الجيش والقوى الأمنية من قبل المحتجّين يظهر بوضوح في ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور)، وهي ساحة الاعتصام الرئيسية في طرابلس، إذ رفع أحد الموجودين في الساحة نبرته عبر مكبر الصوت ليعلن الدعم «لإخوتنا» في البداوي، بعد وقت قليل من الإشكال الذي وقع هناك، على وقع هتافات التأييد والدعم، قبل أن يضيف: «نحن نؤيد الجيش والأجهزة الأمنية. لكن نقول لهم شوي شوي علينا».
لكن الخوف على الحراك الشعبي في طرابلس بعد مضي 11 يوماً على انطلاقته، لا ينبع فقط من احتمال حصول حوادث أمنية تعيد المدينة إلى عصر الفوضى وزمن جولات الاشتباكات الأمنية التي عاشتها لسنوات، بل بسبب الترهّل وظهور علامات ملل وتراجع في الحماسة والاندفاعة لجهة تناقص الحضور الجماهيري، وهو ما دفع كثيرين إلى التساؤل عن الأسباب، وسط خشية من ضياعه قبل تحقيق أهدافه.
«بالطبع لا يعود ذلك إلى انسحاب جمهور المقاومة من الساحة بناءً لطلب السيد حسن نصر الله»، يقول أحمد الرفاعي مبرّراً ذلك في إشارة إلى كلام الأمين العام لحزب الله يوم الجمعة الماضي في هذا السياق، مضيفاً: "طرابلس ليست الضاحية حتى يكون جمهور الحزب الأكبر فيها. أغلب من ينزل إلى الساحة فقراء وبسطاء وعاطلون من العمل، كانوا يؤيدون بقوّة تيار المستقبل ثم تخلى عنهم، لكنهم الآن يريدون إسقاط الحكومة».
محمد الجمل، أحد الذين يداومون يومياً على الحضور إلى الساحة، يشير إلى «مشكلة» تواجه قسماً كبيراً من الجمهور الذي يملأ الساحة يومياً. يقول: «بدأ الملل يدبّ في الساحة، فضلاً عن بعض الإشكالات والشائعات المختلفة، وشكاوى التجّار وأصحاب المصالح والعمال والموظفين من توقف أعمالهم. إذا لم تجدد الساحة نفسها ومضمونها بأنشطة فستواجه مصاعب. الساحة بحاجة إلى أفكار إبداعية». هذه الأفكار يطرح بعضها علي حسون، من باب الطرافة والنقد في آن واحد، قائلاً: «إذ كان بدهم يولعوا الساحة وإلهاب الجماهير فلازم يجيبوا معلقي مباريات الفوتبول!».
«المنصّة التي يتحدث منها الخطباء مضبوطة»، يقول محمد مطر الذي يوضح أن «هناك ضوابط واضحة وُضعت أمام كل من يريد التحدّث عن المنبر. ممنوع الشتائم بحق أيّ كان، وممنوع بث أغان غير وطنية أو ثورية»، وهو ما جعل أجواء ساحة الاعتصام هادئة وآمنة وممسوكة أمنياً، وجعلها تجذب عائلات بأكملها لزيارتها والتقاط الصور التذكارية، كما تشهد نشاطات متعددة «بعيدة عن أجواء الثورة»، يضيف مطر معلقاً. منها ما شهدته أمس من سباق رمزي للدراجات الهوائية، ما جعل الساحة تتحوّل إلى ما يشبه المتنزه وليس ساحة للثورة، وهو مشهد أثار انتقاد وإعجاب كثيرين في الوقت نفسه.