4,7 ملايين دولار أميركي هو مُجمل نفقات رواتب المُكلّفين بالكشف عن الأضرار في مجلس الجنوب عام 2017، وهو يتجاوز بنحو 14 مرة رواتب كل المُوظّفين في المجلس. المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات (إيدال) أنفقت نحو 37 مليون دولار في العام نفسه، أكثر من 90% منها خُصّص لمشاريع دعم استفاد منها أشخاص «مجهولو الهوية». في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، تجاوزت أجور المُستشارين الـ 160 ألف دولار، في عام 2017، ما يشكّل 26.7% من مُجمل نفقات الهيئة. مصلحة سكك الحديد والنقل البري استحوذت على أكثر من 65% من نفقات المديرية العامة للنقل البري والبحري، خُصّصت لدفع وأجور رواتب موظّفيها والتي بلغت نحو مليوناً و62 ألف دولار. وأنفقت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات نحو 8 ملايين و340 ألف دولار، خُصّص نصفها لتشغيل وصيانة عدّادات الوقوف (باركميتر) التي تتولّى إدارتها شركة خاصّة تستفيد من غالبية إيراداتها!هذه بعض «النماذج» عن كيفية صرف المال العام في 33 إدارة عامّة، كشفها تقرير «الإدارات العامة اللبنانية - إنفاق عام 2017» الذي أعدّته مبادرة «غربال» في إطار مشروع «الشفافية في الإدارات العامة اللبنانية»، من أصل 140 إدارة عامّة راسلتها «غربال»، استناداً إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات، للحصول على قطع حسابها لعام 2017، أي نفقاتها وإيراداتها الفعلية.
33 فقط من أصل 140 إدارة عامّة كشفت عن نفقاتها وإيراداتها الفعلية عام 2017


من أصل 140، رفضت ثلاث إدارات (الداخلية والبلديات ومشيخة عقل الطائفة الدرزية وديوان المحاسبة) استلام طلب الحصول على المعلومات، وأحالت 16 إدارة الطلب إلى سلطة الوصاية، ولم تجب 52 إدارة على الطلب، أبرزها رئاستا الجمهورية والحكومة، ومجلس النواب مشرّع قانون حق الوصول إلى المعلومات(!) ووزارة الخارجية والمغتربين والإدارة المركزية للجامعة اللبنانية والإحصاء المركزي وهيئة أوجيرو، فيما قدّمت 33 إدارة بيانات ناقصة، وردّت 6 إدارات أخرى بأنها لا تملك أي موازنات.
ولعلّ ما ورد في بيانات الإدارات المُتجاوبة يُفسّر سبب امتناع بقية الإدارات عن التصريح وكشف الحسابات، نظراً لما تتضمّنه هذه البيانات من نفقات «غير منطقية»، تطرح تساؤلات عدّة حول جدواها. وفي ما يأتي أبرز النماذج التي وردت في التقرير:

مجلس الجنوب: 32 مليون دولار مساعدات لمجهولين!
بلغ الإنفاق الفعلي لمجلس الجنوب، عام 2017، نحو 40 مليون دولار. ورغم استحواذ المشاريع المُنفّذة على أكثر من ثلثي قيمة هذه النفقات (نحو 28 مليون دولار)، إلّا أنها بقيت «غير معروفة»، ولم يُحدّد عدد هذه المشاريع وحجمها. واكتفى كشف الحساب المقدّم بتبويب عام من نوع «مشاريع مائية» و«طرقات مدرسية» و«مُستشفيات» وغيرها.
ومثّل بند الرواتب والأجور (خمسة ملايين دولار) 19.7% من مُجمل النفقات، فيما بلغت قيمة المساعدات نحو 3.9 ملايين دولار (9.5% من الإنفاق)، علماً أن المجلس لم يعلن عن عدد المستفيدين أو أسباب الاستفادة من هذه المساعدات. وشكّل الإنفاق على المصاريف والخدمات الإدارية والتشغيلية 2.8% من قيمة الإنفاق (1,1 مليون دولار).
إلا أن اللافت أن رواتب المُكلّفين بالكشف عن الأضرار، أو ما يُعرف بـ«الاستقصاء»، تشكّل نحو 60% من نفقات بند الرواتب بقيمة 4.7 ملايين دولار، وهي توازي 14 مرة رواتب كل الموظفين (نحو 332 ألف دولار)، وتُشكّل بدلات المُدير وأعضاء مجلس الإدارة (سبعة أشخاص) 3.71% من مُجمل الأجور (نحو 296 ألف دولار)، وهي توازي تقريباً كلفة رواتب كل الموظفين. كما تُشكّل تعويضات الأعمال الإضافية للموظفين أكثر من ضعفي قيمة الرواتب الأساسية (767 ألف دولار)، فيما تشكّل المُكافآت (508 آلاف دولار) مرة ونصف مرة الرواتب الأساسية.

«الأعلى للخصخصة»: 300 ألف دولار لستة موظفين ومستشاريهم!
بلغ الإنفاق الفعلي لـ«المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة»، عام 2017، نحو 378 ألف دولار. وشكّلت الرواتب والأجور (295 ألف دولار) 78% من الإنفاق الفعلي، علماً أن عدد العاملين في المجلس هو 6 أشخاص يعاونهم استشاريون غير دائمين.

«إيدال»: ملايين الدولارات لمشاريع «مجهولة»
عام 2017، أنفقت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال) 37 مليون دولار، أكثر من 90% منها خُصّصت لمشاريع الدعم التي تقدّمها (33.7 مليون دولار)، ومن دون أن يظهر في المستندات عدد المستفيدين من برامج الدعم الممنوحة وهوياتهم. وأنفقت 9.6% من مُجمل إنفاقها على موازنتها الإدارية (نحو 3.6 ملايين دولار). واستحوذ بندا الرواتب والأجور وملحقاتهما على 31.7% من مُجمل نفقات الموازنة الإدارية، وهو ما يوازي نحو مليون دولار. واللافت أن تعويضات ومخصّصات مجلس الإدارة تعادل ثلث رواتب المستخدمين، إذ بلغت نحو 191 ألف دولار في حين أن رواتب كل المُستخدمين بلغت نحو 525 ألف دولار.

هيئة شؤون المرأة: 160 ألف دولار للمستشارين!
وفقاً لقطع حساب عام 2017 الذي قدّمته «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، يتبيّن أن الأموال التي حُوّلت لها من الخزينة العامّة بلغت نحو 600 ألف دولار. وقد استحوذت الرواتب والأجور وملحقاتهما (327 ألف دولار) على 54.5% من هذه النفقات. علماً أن أكثر من 160 ألف دولار منها خُصّصت لأجور المستشارين، وتتجاوز قيمتها مجموع أجور الموظّفين الدائمين في الهيئة (نحو 128 ألف دولار).
ولفت التقرير إلى إنفاق الهيئة نحو 160 ألفاً و689 دولاراً على مشاريع قد تُعقد مستقبلاً، ما يطرح تساؤلاً حول كيفية إنفاق أموال عامة على مشاريع لم تُعقد بعد، وفي حال لم تُنفق لماذا أُدرجت ضمن الإنفاق الفعلي، على عكس ما تفرضه أصول المحاسبة العمومية بإدراج هذه النفقات ضمن الإنفاق الفعلي للعام الذي ستُنفق فيه؟.

وزارة العمل: توفير أم ديون لصالح الضمان؟
خصّصت موازنة العام 2017 نحو 276 مليون دولار لوزارة العمل. لكن، وفقاً لقطع الحساب الذي قدّمته الوزارة، بلغت قيمة الإنفاق الفعلي نحو 10 ملايين و797 ألف دولار، ما يعني أن «العمل» أنفقت فقط 3.9% من الاعتمادات المرصودة لها. لماذا؟ يُشير مُعدّو التقرير إلى أن السبب يعود بشكل رئيس إلى عدم تحويل الوزارة مستحقّات الضمان الاجتماعي التي تشكّل 97% من مُجمل الاعتمادات المرصودة. ما يعني، عملياً، أن الدولة لم تُسدّد للضمان مُستحقاته خلال هذا العام والتي تبلغ نحو 266 مليون دولار، وهي تضاف الى مُجمل الديون المتراكمة على الدولة لمصلحة الصندوق. واللافت أنه من بين الـ10 ملايين دولار التي أنفقتها الوزارة، هناك 3 ملايين و85 ألف دولار (28.6%) حُوّلت إلى جمعيات ومؤسسات لا تبغي الربح.

الهيئة الناظمة للاتصالات: 3 ملايين دولار لهيئة غير قائمة!
أُسست الهيئة الناظمة للاتصالات عام 2002، بموجب قانون الاتصالات رقم 431، بوصفها وكالة حكومية مستقلّة مهمّتها تحرير وتنظيم وتطوير قطاع الاتصالات في لبنان. ورغم أن القانون لم يصبح نافذاً حتى اليوم، ولم يُحرّر القطاع لتقوم الهيئة بمَهامها، فإن الهيئة قائمة وتُخصص لها اعتمادات سنوية، بلغت عام 2017 نحو 6 ملايين و108 آلاف دولار. ووفقاً لقطع حساب عام 2017 الذي قدّمته الهيئة، فقد تم إنفاق 3 ملايين و474 ألف دولار، أي 56.9% من مُجمل الاعتمادات المرصودة لها. علماً أن أكثر من 81% من مُجمل الإنفاق الفعلي كان لتسديد رواتب وأجور العاملين في الهيئة المُنظّمة للاتصالات وملحقاتهما (مليونان و832 ألف دولار).

الضمان الاجتماعي: 3 آلاف دولار متوسّط راتب الموظّف
بلغ مجموع الإنفاق الفعلي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 2017 نحو 68 مليوناً و797 ألف دولار. اللافت أن نفقات تعويضات حضور جلسات مجلس الإدارة المؤلّف من 26 عضواً، والتعويض المقطوع لرئيسه، فضلاً عن تعويضات حضور جلسات هيئة المكتب المؤلّف من 13 عضواً بلغت نحو 171 ألف دولار، وشكّلت نحو 0.25% من مُجمل الإنفاق. وبلغت قيمة رواتب المستخدمين الدائمين والمتعاقدين والمُياومين وأجورهم وملحقاتها نحو 39 مليون دولار تشكّل 56.87% من مُجمل الإنفاق، «علماً أن عدد موظّفي الضمان يبلغ 1102 وفقاً لتقرير اللجنة الفنية في الصندوق، ما يعني أن المعدّل الوسطي لراتب كلّ موظّف يبلغ 2.959 دولاراً، إذا افترضنا أن كلّ الموظّفين وفي كل المراتب يتقاضون الراتب نفسه».

مليون دولار لموظّفي سكك الحديد
بلغت قيمة الإنفاق الفعلي للمديرية العامة للنقل البري والبحري عام 2017 نحو 3 ملايين و161 ألف دولار، 65.2% منها (مليون و62 ألف دولار) ذهبت الى مصلحة سكك الحديد والنقل البري. واستحوذت «الإنشاءات قيد التنفيذ»= (864 ألف دولار) على 27.3% من إنفاق المديرية، وبلغ الإنفاق على الصيانة 0.3% (7 آلاف و900 دولار)، وعلى الاستشارات والخدمات والمراقبة 1.6% (49 ألف دولار)، والنفقات المختلفة نحو 0.01% أي ما يساوي 340 دولاراً.

«الشباب والرياضة»: 61% من الاعتمادات مُساعدات
خُصّصت لوزارة الشباب والرياضة اعتمادات بقيمة 10 ملايين و290 ألف دولار ضمن موازنة عام 2017، «إلّا أن الوزارة لم تستجب لطلب مبادرة غربال بالحصول على إنفاقها الفعلي في هذا العام، مشيرة إلى أن ما تمّ تنفيذه من موازنة عام 2017 نُشر على الموقع الرسمي للوزارة ضمن التقرير السنوي»، وفق التقرير. وبالاطلاع على ما تنشره الوزارة على موقعها الرسمي تبيّن أنه «بيان مقتضب يعدّد الجهات الرياضية والشبابية التي تمّت مساعدتها من موازنة الوزارة وقيمة المبالغ التي أُنفقت عليها، وبالتالي لا تظهر على الموقع الرسمي للوزارة المبالغ المصروفة على النفقات الجارية والتشغيلية للوزارة». المقارنة بين ما هو وارد على الموقع وبين اعتمادات الموازنة المُخصصة للوزارة، تُظهر أن هذه المساعدات شكّلت 61% من مُجمل الاعتمادات (6 ملايين و300 ألف دولار)، توزّعت وفقاً للتصنيف التالي، من دون تحديد الجهات المستفيدة منها والمبالغ التي حصلت عليها كلّ جهة:
- 13 اتحاداً رياضياً استفادت بقيمة 1.439.469 دولاراً، بمعدّل وسطي بقيمة 110.728 دولاراً لكل اتحاد.
- 121 نادياً رياضياً استفادت بقيمة 1.691.542 دولاراً، بمعدّل وسطي بقيمة 13.980 دولاراً لكل ناد.
- 13 فرداً استفادوا بقيمة 58.043 دولاراً، بمعدّل وسطي يبلغ 4.465 دولاراً لكل شخص.
- 45 بلدية حصلت على 2.653.340 دولاراً، بمعدّل 58.963 دولاراً لكل بلدية.
- 26 جمعية كشفية وشبابية استفادت بقيمة 459.702 دولار، بمعدّل وسطي 17.681 دولاراً لكل جمعية.

أموال الناس في خدمة الباركميتر!
رُصدت ضمن موازنة عام 2017 اعتمادات بنحو 29 مليوناً و90 ألف دولار لصالح هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، إلّا أن الهيئة لم تنفق سوى 28.7% من مُجمل هذه الاعتمادات. إذ بلغ إنفاقها الفعلي نحو 8 ملايين و340 ألف دولار. واللافت أن 49.9% من مُجمل هذه النفقات ذهبت لتشغيل وصيانة عدّادات الوقوف التي تديرها شركة خاصّة وتستفيد من غالبية الإيرادات الناجمة عنها.
يشار إلى أن الهيئة حقّقت إيرادات بقيمة 31 مليوناً و854 ألف دولار من إصدار رخص السوق والسير واللاصقات ولوحات التسجيل، ما يشكّل نحو أربع مرّات قيمة نفقاتها.