يتكدّسُ الموقوفون بعضهم فوق بعض في نظارات فصائل قوى الأمن الداخلي كما يُكدَّسُ الدجاج في الأقفاص. يُحشَر في بعض النظارات عشرون موقوفاً في غرفة تتّسع أصلاً لبضعة موقوفين فقط. يروي أحد الضباط لـ«الأخبار» أنّ عدداً من الموقوفين في نظارة إحدى الفصائل كانوا يرجونه أن يرُشّهم بالماء حتى يُخفِّف عنهم الحر الشديد في النظارة التي يُحشر فيها ١٦ موقوفاً، لكنها تتسع في الأصل لأربعة أشخاص فقط. معظم هذه النظارات يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات احترام الحق الإنساني. ذلك جحيم لا يُمكن تخيّله حتى بالنسبة إلى السجّانين غير القادرين على تلبية احتياجاتهم، فكيف بالموقوفين المتروكين؟رغم كلّ ما سبق، ورغم وفاة أكثر من موقوف في نظارات التوقيف، إلا أنّ أحداً لم يُحرِّك ساكناً لإيجاد حلٍّ للأزمة الممتدة منذ أكثر من خمس سنوات. كذلك لم تنفع كل البرقيات التي حرّرها ضباط قوى الأمن لقياداتهم، أو تلك التي أرسلت إلى القضاة، لم تنفع لتخفيف المشكلة المتعاظمة يوماً بعد يوم. وعلمت «الأخبار» أنّ المديرية العامة لقوى الأمن شكّلت لجنة لدراسة أزمة الاكتظاظ برئاسة العقيد جان عوّاد، لتخلُص إلى أنّ الحل يكمن في استحداث سجون جديدة!
ارتفع عدد الموقوفين السوريين من ١٢٧ موقوفاً إلى ١٢٥٧ بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١٨


أما الأسباب الأساسية التي تُسهم في زيادة الاكتظاظ، فتتعدد؛ بدءاً من تشدد القضاة في التوقيف لأي سبب، وصولاً إلى ارتفاع أعداد الموقوفين السوريين منذ بدء الأحداث السورية أكثر من عشرة أضعاف، نتيجة تضاعف عدد السوريين الموجودين في لبنان. فحتى اليوم لا يُفهم لماذا يُصرّ بعض القضاة على توقيف متعاطي المخدرات، بدلاً من إحالته إلى العلاج، فضلاً عن أنّ هناك حالات عديدة يُفترض فيها على المدعي العام ترك الموقوف حراً، لكونه حُكماً سيُترك لدى قاضي التحقيق. كذلك، يشكّل تعذّر سوق الموقوفين لحضور جلسات المحاكمات أزمة قديمة جديدة، تسهم في زيادة الاكتظاظ. فالنقص في عديد عناصر السَوق والآليات وتوزّع الموقوفين بين الفصائل الإقليمية، يحول دون إتمام العناصر جولتهم على نظارات التوقيف لنقل الموقوفين لحضور المحاكمات. ويترتّب على ذلك إرجاء جلسات المحاكمات، ما يؤدي حُكماً إلى تأخير خروج الموقوفين لشهر أو أكثر أحياناً. حتى إنّ قاعة المحكمة التي جُهِّزت في سجن رومية المركزي لغايات أمنية ولوجستية، لم تُستخدم سوى مرات قليلة بسبب عدم انتقال القضاة إليها لعقد جلسات المحاكمة. هناك مشكلة أخرى تتعلّق بطول أمد توقيف السجناء الأجانب الذين يتأخّر ترحيلهم لكون سفاراتهم تتأخر في إنجاز معاملات تسفيرهم، مع ما يترتّب على ذلك من عبء مالي على كاهل الدولة اللبنانية جرّاء كلفة إطعام وطبابة هؤلاء الموقوفين لأشهر إضافية.
بالنتيجة، ارتفع عدد الموقوفين بشكل كبير خلال السنوات العشر الأخيرة. وعلى سبيل المثال، ارتفع عدد الموقوفين السوريين في قضايا المخدرات من ٣٪ عام ٢٠١٠ إلى ١٢ ٪ عام ٢٠١٨. وهذه النسبة تعني أنّ عدد الموقوفين عام ٢٠١٠ لم يتجاوز ١٢٧ موقوفاً سورياً، لكنه اليوم يبلغ ١٢٥٧ موقوفاً، أي ما يوازي تقريباً عدد السجناء في أحد أكبر سجون لبنان. كما علمت «الأخبار» أنّ هناك نحو ٣ آلاف موقوف في قضايا مخدرات من أصل ٩ آلاف موقوف على الأراضي اللبنانية كافة، ألفان منهم يتوزّعون على نظارات التوقيف، في مقابل ٧ آلاف نزلاء في السجون.