منذ مطلع الأسبوع الجاري، انحصرت أزمة اشتراط حيازة الفلسطينيين إجازة عمل، بالسجال الإعلامي والمواقف الافتراضية على منصات مواقع التواصل الاجتماعي. لم يطرأ أي تطور جدي على المفاوضات الجارية بين وزير العمل كميل أبو سليمان، ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وممثلي الفصائل الفلسطينية، للتوصل إلى مخرج للأزمة. في حديث لـ«الأخبار»، قال رئيس اللجنة الوزير السابق حسن منيمنة، إنه لم يحدث تواصل منذ يوم الاثنين الماضي عندما فشل اللقاء الذي كان مقرراً بين اللجنة وأبو سليمان في الوزارة، بعد اعتذار ممثلي الفصائل الفلسطينية عن عدم الحضور. «تغيّبهم جاء احتجاجاً على تعثّر المفاوضات وعدم إحراز أي تقدم، وإصرار أبو سليمان على موقفه من الخطة في ما يخص اللاجئين الفلسطينيين»، قال منيمنة. الأخير أيضاً لا يلمس أي تقدم بين إصرار أبو سليمان على خطته وإصرار الفلسطينيين على رفض التزامها. فما الحلّ في ظلّ ما أنتجته الخطة من غليان لم يهدأ بين المخيمات؟ «الحلّ باعتماد التوصية المتعلقة بالعمالة الفلسطينية التي وردت ضمن الوثيقة اللبنانية الموحدة التي صدرت عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في 2015، أي قبل سنوات من الأجواء المشحونة الحالية». التوصية جاءت بناءً على «دراسة جدية وعاقلة ومنطقية وافق عليها مختلف الأفرقاء اللبنانيين الممثلين في اللجنة». الحلّ ينتظر، وفق منيمنة، «إقرار التوصية الخاصة بالعمل والعمال الواردة في الوثيقة وتحويلها إلى مرسوم تطبيقي صادر عن مجلس الوزراء يحفظ حق لبنان بتطبيق قانون العمل ويحفظ حق الفلسطينيين». وما دام المخرج متوافراً بين أيدي المعنيين الذين أنتجوه، فما الذي ينقص لتنفيذه؟ «عرضنا التوصية على أبو سليمان، لكنه يصرّ على إضافة بنود تعرقل تسهيل تسوية أوضاع اللاجئين التي اقترحتها الوثيقة». يوحي منيمنة بأنّ الطريق مسدود مع وزير العمل. «غداً (اليوم) سأتصل بالوزير وأدعو إلى اجتماع جديد. لكن الأجدى تنفيذ ما اقترحه رئيسا الحكومة ومجلس النواب بأن تعاد الخطة إلى مجلس الوزراء للبت بها».فما البنود التي يريد أبو سليمان إضافتها؟ يوم الأحد في 21 تموز الماضي، عقدت «مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان»، اجتماعاً طارئاً على وقع الأزمة، برئاسة منيمنة. وحضر الاجتماع ممثلون عن غالبية القوى السياسية والكتل النيابية التي تؤلف المجموعة: التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وحزب القوات اللبنانية وحزب الله، وتمحور الاجتماع حول ما رافق خطة وزارة العمل، من احتجاجات واعتراضات من جانب اللاجئين الفلسطينيين. وناقشوا وفق البيان الصادر عنهم «الدعوة إلى عرض الموضوع على مجلس الوزراء وضرورة إصدار المراسيم التطبيقية لقانوني العمل والضمان 128 و129 المعدّلين وإقرار وثيقة (رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان) التي أطلقتها المجموعة عام 2017». علماً بأن الوثيقة تنصّ على أن يحوز الفلسطيني إجازة مجانية للعمل، إنما تحديد المستندات الواجب تقديمها من أجل الحصول على إجازة عمل مع الاكتفاء باستدعاء موقَّع من صاحب العلاقة دون أي إفادة أو سند صادر عن صاحب العمل. إلا أن أبو سليمان يشترط عند تقديم المستندات، إبراز عقد عمل موقَّع من العامل وصاحب العمل، لا من العامل فقط، «وهو ما لا يمكن توفيره، لأن المحالّ والورش الصغيرة لا تعطي عقد عمل حتى للبناني، لكي تتهرب من الرسوم»، قال منيمنة. ونصت الوثيقة أيضاً على «أن يكون رب العمل ملزماً بتسديد نسبة 8.5 في المئة عن كل عامل فلسطيني لقاء حصر إفادته من صندوق تعويضات نهاية الخدمة».
منيمنة: تغيُّب الفصائل جاء احتجاجاً على تعثُّر المفاوضات وإصرار الوزير على موقفه


وفق مصادر مشاركة في الاجتماع، وضع المجتمعون مسوَّدة اقتراح مرسوم تطبيق قانون العمل رقم 129 «ليحال على مجلس الوزراء ومنه على مجلس النواب لاستصدار قانون يحدد آلية عمل الفلسطينيين». وعكست المسوَّدة الترجمة القانونية للبنود الواردة في الوثيقة، ولا سيما في ما يخص المستندات اللازمة للحصول على إجازة عمل. وافق المشاركون على المسوَّدة خلال الاجتماع، لكنهم منحوا مهلة 48 ساعة لمراجعة مرجعياتهم السياسية. وبرغم موافقة ممثل القوات طوني كرم على المسوَّدة «لكنه عاد ليتحفظ منها بعد مراجعة معراب، طالباً زيادة بند يشترط موافقة وزير العمل، وإلا فإنه سيتراجع عن الموافقة»، وفق المصادر. وقد أدى التحفظ إلى تجميد البت بالمسوَّدة، وتالياً عدم إحالتها على مجلس الوزراء.
المصادر المواكبة للقضية أكدت أن لا مخرج قريباً. «أبو سليمان ومن خلفه القوات لن يتراجعا عن موقفهما، ويتسلحان بأنهما ينفذان القانون اللبناني. في المقابل، لا يجدون من يساجلهم بالقانون». الأزمة استبقت الإشكالات التي كان من المنتظر أن تتزامن مع بدء الحوار اللبناني الفلسطيني على الوثيقة الموحدة التي وضعها اللبنانيون فيما بينهم. «الخطر في الأزمة الراهنة يكمن في الوصول إلى مخرج للأزمة يكسر إرادة أبو سليمان أو إرادة الحراك المعترض في المخيمات، ما ينذر بحتمية الصدام» قالت المصادر.
في الإطار عينه، أكد رئيس الحكومة سعد الحريري، أمام وفد من «المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج» أن وثيقة الرؤية اللبنانية الموحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان هي المرجعية في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وأزمة قرار وزارة العمل. وجزم بأن الأزمة في طريقها إلى الحلّ خلال جلسة الحكومة اللبنانية المقبلة. بالتزامن، كان أبو سليمان يغرد في فلك آخر. وفي تغريدة لافتة على حسابه على «تويتر»، قال: «لماذا يستفزّ الفلسطينيون اللبنانيين؟ إذا كان الفلسطينيون لا يريدون حضور الاجتماعات، فلا يمكنني أن أستمع إليهم، سأستمر بتطبيق القانون»، في إشارة إلى مقاطعة وفد الفصائل الفلسطينية للاجتماع الذي كان مقرراً بينهم وبينه برعاية منيمنة.

صيدا تتظاهر دعماً لمطالب الفلسطينيين

لا تزال المخيمات ملتزمة قرار تعليق الإضراب احتجاجاً على خطة وزير العمل كميل أبو سليمان بشأن العمالة الفلسطينية، بانتظار عقد جلسة الحكومة التي ستبت بالخطة كما وعد رئيسها سعد الحريري. لكن مخيم عين الحلوة شرّع مداخله مساء أمس وخرج إلى صيدا لملاقاة مئات المتضامنين مع أهله الذين ساروا في تظاهرة جابت المدينة بدعوة من «اللقاء السياسي الشعبي اللبناني - الفلسطيني» والتنظيم الشعبي الناصري. ووسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، دعا النائب أسامة سعد في كلمته التي اختتمت التظاهرة في ساحة النجمة، إلى «منح الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية والاجتماعية المشروعة»، رافضاً «إجراءات التضييق تعزيزاً لمواجهة صفقة القرن والتمسك بحق العودة ورفض مؤتمرات التوطين والتشريد». سعد الذي شهر سيفه منذ إعلان الخطة، دفاعاً عن الفلسطينيين، قابله تباين في الأداء الرسمي لبنانياً وفلسطينياً. على صعيد المخيمات، ففيما تضغط اللجان الشعبية والمجموعات الشبابية المستقلة في عين الحلوة لاستمرار الحراك الاحتجاجي وتأطيره، تسعى بعض الفصائل الفلسطينية إلى إجهاض الاعتراض. ولفتت مصادر من داخل المخيم إلى أن قوات الأمن الوطني الفلسطيني كانت «ستكلَّف فتح مداخل المخيم بالقوة استجابةً لتوجهات القيادة السياسية والسفارة الفلسطينية بالتزام الحوار مع الدولة اللبنانية». وأدت التباينات واحتمال تدهور الوضع الميداني إلى تعليق الإضراب وإقفال المداخل. وخلافاً للاتفاق القاضي بفتح مداخل عين الحلوة ليوم واحد أمام التجار وأصحاب المحالّ لتأمين بضائعهم، عدّل منظمو الحراك في المخيم برنامجهم وقرروا الإبقاء على المداخل مفتوحة حتى انعقاد جلسة الحكومة المقبلة. وقالت مصادر من داخل المخيم إن قيادات الحراك الاحتجاجي ضد خطة وزير العمل فضلت تعليقه «بعد ورود معلومات عن نيات لتخريبه عبر إحداث الفوضى داخل المخيم وخارجه». ومن جهة أخرى، هدد عدد من أصحاب المحالّ والتجار بردّ فعل حادّ إذا استمر إقفال مداخل المخيم مع قرب موسم الحج والعيد الذي ينتظرون منه الاستفادة المادية».
ميدانياً، يؤكد أرباب العمل الفلسطينيون أن الوزارة أوقفت ملاحقة العمال الفلسطينيين على خلفية عدم حيازة إجازة عمل، ما سمح بتخفيف الاحتقان وإقناع المعترضين على وقف الإضراب.
آ.خ