في 11 حزيران الحالي، أعلن الرئيس سعد الحريري أن مناقشات الموازنة في لجنة المال والموازنة مسرحية ومزايدات بين الكتل النيابية التي أقرت المشروع في مجلس الوزراء. في 19 حزيران (أمس)، أبى الحريري إلا أن يشارك في المسرحية، داعماً «الممثلين» ومثنياً على أدائهم ودورهم الرقابي وعلى التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.تراجع الحريري، بعدما أدرك متأخراً أن التركيبة السياسية المتداخلة في المجلس النيابي والحكومة لا تلغي المجلس ودوره. ولأن النواب أنفسهم سبق أن اعتبروا أنهم تعرضوا للإهانة من قبل رئيس السلطة التنفيذية يوم استخفّ بعملهم، فقد تعاملوا مع زيارة أمس بوصفها بمثابة اعتذار، وقد قبلوه.
عدد من النواب أعاد التأكيد، بحضور الحريري، على أهمية الفصل بين السلطات، إلا أن النائب ياسين جابر ذهب إلى مكان آخر. فقد ذكّر رئيس الحكومة أن المجلس الذي يدعمه اليوم لإنجاز قانون الموازنة تمهيداً لبدء عملية الإصلاح، سبق أن أقر 52 قانوناً لم تطبقها السلطة التنفيذية، ومنها قانون الإصلاح الهيكلي الذي يوجد تجاهل تام له. وأوضح أنه «إذا بقينا هكذا، فلن نستطيع أن نستعيد ثقة اللبنانيين ولا ثقة هيئات التصنيف الدولية. باختصار الدولة التي لا تستطيع أن تطبق تشريعاتها لا يمكن أن تكون دولة مؤسسات وقانون. وإذا لم ينفذ إصلاح جدي لن يكون هنالك أمل». وهذا تحديداً ما خلص إليه التقرير الصادر عن المديرية العامة للشؤون الاقتصادية والمالية في المفوضية الأوروبية بعنوان «هل يتحدى لبنان الجاذبية إلى الأبد؟». إجابة التقرير واضحة ومفادها أن لبنان لن يتمكن من مواجهة الجاذبية، التي كان يتحداها في السابق بفضل التحويلات المالية والودائع، فيما الاتجاهات الأخيرة، ومنها التراجع في تدفق الودائع والخلافات السياسية المستمرة مقابل الضغوط المالية والهيكلية المستمرة، توحي بأن نموذج الأعمال اللبناني السابق قد لا يكون قابلاً للتطبيق.
بعد خروج الحريري، عادت اللجنة لاستكمال عملها، فأنجزت كل المواد المتبقية من الموازنة قبل أن تنتقل في الجلسة المسائية إلى مناقشة اعتمادات الموازنة بحسب الأبواب (الجدول المرفق)، فأقرت موازنة رئاسة الجمهورية، وبدأت مناقشة موازنة رئاسة الحكومة على أن تستكمل درسها اليوم. أما المواد المعلّقة، فقد أشار رئيس اللجنة ابراهيم كنعان إلى أن جلسة حاسمة ستخصص لها، على أن يرتبط تحديد موعدها بانتهاء النقاش في بعض النواحي التي شكّلت مجموعات فرعية لوضع صيغ نهائية لها، على غرار بنود العسكر والـ2% على الاستيراد.
بالنسبة للمادة 89، المتعلقة بالسماح بعودة القضاة المنقولين إلى وظائف أخرى إلى ملاك القضاء الذي كانوا منتسبين إليه، فقد كانت الأغلبية مع إلغائها، إلا أنه تم الاتفاق في النهاية على إقرارها مع تعديلها بحيث يعطى القاضي مهلة شهرين للاختيار. كما أقرت اللجنة حسم 15 في المئة من المنح المدرسية للموظفين في كل القطاعات. وأقرت تخفيض التعويضات التقاعدية للنواب.

لبنان إلى استانا
من جهة أخرى، تلقى لبنان أمس دعوة للمشاركة في مسار استانا للتفاوض حول الوضع في سوريا. وتسلم رئيس الجمهورية ميشال عون الدعوة من الموفد الرئاسي الروسي المسؤول عن الملف السوري الكسندر لافرانتييف، الذي اعتبر أن بلاده «تعتبر مشاركة لبنان والعراق ضرورية عند البحث في الازمة السورية».
وأبلغ عون ضيفه أن لبنان معني بالمشاركة في «استانا» لأن المؤتمر «يسهّل متابعة الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي يساهم في عودة النازحين السوريين الى بلادهم». وأوضح أن المشاركة «لا تلغي حق لبنان في البحث مع الدولة السورية في تنظيم عودة النازحين الى بلادهم، ونرى في الدعم الروسي لتحقيق هذه العودة عاملا مهما في انتظار توصل المشاركين في مسار استانا التفاوضي الى حلول نهائية للازمة السورية».
لبنان عضواً مراقباً في استانا وعون يؤكد «حقنا» بالبحث مع دمشق في عودة النازحين


وفي السرايا الحكومي، التقى الحريري الموفد الروسي الذي أشار الى أنه تم الاتفاق على «بذل المزيد من الجهود المشتركة لتسريع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم». وتابع: «نمتلك من التفاهم المشترك ما يمكننا من التعجيل في حل هذه المسألة، لأن وجود النزوح السوري يعمق المشكلة. وقد اتفقنا مع الجانب اللبناني على مزيد من التنسيق مع الشركاء، ولا سيما الدول الأوروبية، من أجل إقناعهم بمواكبة مسيرة عودة النزوح».
وفي السياق نفسه، تم التوافق في اللقاء الذي جمع لافرانتييف بوزير الخارجية جبران باسيل على «تفعيل المبادرة الروسية وتشكيل لجنة ثلاثية روسية - لبنانية - سورية لتسهيل عودة النازحين».

وساطة روسية لترسيم الحدود
وبعدما أطلع باسيل الموفد الروسي على المبادرة الاميركية لترسيم الحدود الجنوبية، قال لافرينتيف إن روسيا تستطيع لعب دور الوسيط في مسألة ترسيم الحدود، في حال تطلب الأمر. وقال: «هناك طلب من الجانب اللبناني لنقدم الوساطة، وسنحاول بالطبع العمل في هذا الاتجاه (...) يجري العمل الآن بوساطة أميركية، لترسيم الجزء البحري من الحدود بين لبنان وإسرائيل، وإذا كانت هناك حاجة إلى دعمنا أو اي نوع من المساعدة، فنحن نؤيد ذلك، لأن المضي قدماً والتوصل إلى اتفاقات ملموسة بشأن مثل هذه القضايا الهامة يسهم حقاً في تعزيز أكبر ليس فقط للثقة، بل لتحقيق الاستقرار الحقيقي في المنطقة».