يصادف السبت الثاني من شهر أيار «اليوم العالمي للطيور المهاجرة»، وهو يوم بدأت الولايات المتحدة الاحتفال به عام 2006، وبات تقليداً سنوياً عالمياً (تحييه أميركا الوسطى والجنوبية في تشرين الاول). في تلك البلدان، تُرافق هذا اليوم نشاطات تعليمية في المدارس والجامعات وسائر القطاعات للتعريف بأهمية الطيور، خصوصاً المهاجرة منها، وأهمية المحافظة عليها وعلى مواطنها البيئية. أما في لبنان، فكاد أن يترافق اطلاق طوابع «الطيور المهاجرة» في القصر الجمهوري أمس، مع اعلان «افتتاح موسم الصيد»، لولا أن «تدارك» وزير البيئة الامر، فافتتح الموسم منذ شهر تقريباً! (في الشكل، على الأقل، يكفي اعلان السماح بالصيد في موسم معين بدل هذا «الافتتاح» المستهجن). ولا أعجب إذا ما كان بين الحضور تجار السلاح والخرطوش ونوادي الصيد وجمعيات بيئية تتفانى في تنظيم دورات في «أصول الصيد النبيل» الذي يعشق بعض «الخبراء» الكلام عنه.قد يستهجن البعض هذه الملاحظات. لكن، هنا مكمن الخلل الكبير في قانون الصيد البري. وهذا ما يحتم العمل على تغييره، كأولوية قصوى، وأهم بنوده مكوّنات «المجلس الأعلى للصيد البري» الذي يتستر الوزير به عند اتخاذ القرارات. إذ كيف يعقل أن يتمثل في هذا المجلس تجار السلاح والذخيرة والاتحاد اللبناني للرماية والصيد؟ تخيلوا، مثلاً، أن تنشئ وزارة الصحة مجلساً لمكافحة التدخين يضم ممثلين عن شركات التبغ ومزارعيه وأصحاب المطاعم والمقاهي، وممثلاً عن المدخنين وآخر عن المتعاطين، ثم تغطي هذا كله بأخصائي في الصحة العامة. وهذا يشبه وجود «اخصائي بيئي» واحد في مجلس يضم 12 عضواً قد يكون معظمهم (وبينهم الوزير أحياناً) من هواة الصيد، ناهيك عن الضغوط التي مورست وتمارس على بعض أعضائه. وضع مجلس الصيد أسوأ من هذه الصورة السوريالية لمجلس مكافحة التدخين، لأنه لا يهدف إلى مكافحة الصيد بل إلى تنظيمه... وحتى تشجيعه! ولا عزاء لنا بوجود ممثل عن الجمعيات البيئية، لأن بعضها يدير دورات للصيادين، وكثير منها تحوّل الى مؤسسات أعمال لاستجلاب التمويل لمشاريع لا تنتج بيئياً بقدر يوازي المال الذي تحصل عليه من المؤسسات الدولية.
وحتى وجود الخبير البيئي في المجلس تعتريه شكوك وعيوب. هل يسأل وزير البيئة خبراءه، مثلاً، عن وجود دراسات احصائية موثوقة وحديثة تعطي تقديرات لأعداد الطيور او الثدييات من كل نوع، كما تطلب المؤسسات المشابهة في دول العالم؟ وهل لديهم تقديرات لأعداد الطيور التي تم اصطيادها الموسم الماضي؟ وهل جرى تقييم جدي لمدى تطبيق قانون الصيد في ذلك الموسم؟ وبالمناسبة، تتوجب ملاحظة أن تقديرات أعداد الحيوانات ومراقبة أوضاعها أعمال لا تحصل في لبنان، ولا حتى في المحميات الطبيعية التي تصب اهتمامها على الموارد المالية والسياحة البيئية لتأمين كلفة تشغيلها. فيما كل الدراسات تقريباً، لا تتعدى كونها لوائح تسجيل للأنواع الموجودة، وهذ غير كاف لاتخاذ أي قرار مسؤول يتعلق بالسماح بالصيد. أما معظم ادعاءات نشاط المراقبة المستمرة فواهية، ولا تستند الى وثائق، وقد يقوم بها هواة ومتطوعون وينقصها كثير من الدقة والصدقية العلمية. وهذا ما يفترض بوزارة البيئة الاهتمام به بدل افتتاح مواسم الصيد.
كما أن من مهماتها الأساسية القيام بمشروع طارئ لتحديد الانواع المعرّضة للانقراض في لبنان، وانشاء لوائح حمراء على مقاييس وطنية كمرادف أساسي للوائح الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة IUCN. وأتوقع أن يظهر عندها مدى تعرض معظم أنواع الحيوانات التي يسمح بصيدها للانقراض على المقياس الوطني، فينتهي التستر وراء اللوائح الدولية.
نحن من دعاة تطبيق المنع الكامل للصيد البري الذي سيكون تطبيقه أسهل من تطبيق القانون الحالي. ولكن لا أوهام لدينا في هذا المجال لأن لبنان في مجال تطبيق القوانين ليس ذا سمعة حسنة بتاتا. تطبيق القانون في الموسم الماضي كان مدعاة للسخرية اذ لم يجر حتى ضبط الصيد داخل البلدات والقرى، فكيف في التلال والوديان؟ كما لم نسمع بإدانة أي مخالف أو مرتكب. وليس لنا عزاء في قرار وزارة الداخلية تسيير دوريات اثناء الموسم لمراقبة الصيادين وصيدهم، فيما هي عاجزة عن قمع أبسط مخالفات السير على الطرقات العامة. ولا نرى في قرار وزارة الداخلية الا تضليلا يهدف الى تزكية الوهم بأن تطبيق مراسيم الصيد ممكن، كمبرر للاستمرار في السماح بصيد «منظم» أو «مسؤول»، كما يشيع البعض.
هل جرى تقييم جدي لمدى تطبيق قانون الصيد في الموسم الماضي؟


لذلك نعتبر أن الخصم الأساس الذي يجب مواجهته ومكافحته وابادته في هذا البلد هو ثقافة الصيد والقتل العبثي العشوائي للحيوانات، لا التعايش مع ثقافة كهذه كأمر واقع وقدر محتوم. فليقل لنا وزراء الصيد والجمعيات البيئية والنوادي وكل الهيئات والوزارات: ماذا فعلتم وتفعلون على صعيد محاربة هذه الثقافة خصوصاً بين الأجيال الصاعدة؟ لا شيء! ماذا ستفعلون في يوم الطيور المهاجرة على هذه الصعيد؟ لا شيء! في الواقع، لا أمل في مكافحة هذه الثقافة المناقضة لأي شرعية أخلاقية ودينية وعلمية وبيئية، طالما أن وزارة البيئة تفتتح «موسم الصيد» كل سنة فتؤمن بذلك استمرارية هذه الثقافة البائسة وتوارثها بدل رفع مستوى الوعي والضمير البيئيين والممارسات البيئية الصحيحة عند النشء الجديد.
اذا أردنا أن نواجه ما ينتظرنا من مصاعب وكوارث بيئية ناتجة عن تدهور أوضاعنا البيئية وتقلص المواطن البيئية للطيور وغيرها من الكائنات، والتي سببها مجتمعنا المدني والسياسي، وما ستفاقمه من دون شك التغيرات المناخية العالمية والمحلية، ليس أمامنا - الآن ولا مستقبلا - ترف التفكير أو الممارسات او بناء استراتيجيات بعقلية تعود الى سنوات مضت كما هي الحال في موضوع مثل الصيد البري. وفيما تعلن دول عدة حالة طوارئ بيئية ومناخية، لا يجوز لبلدنا أن يستمر بممارسات تمعن في العداء للبيئة ومكوّناتها.

* استاذ علوم البيولوجيا في الجامعة الاميركية في بيروت.