ما قصّة الإضراب المفاجئ الذي هبط على الاتحاد العمالي العام؟ هل هو إضراب سياسي موجّه من الأحزاب التي تُحسب عليها قيادة الاتحاد؟ هل هو ينسجم مع منطق هيئات أصحاب العمل في إطار الشراكة بينهم وبين قيادة الاتحاد؟ هل هو فخّ من «حزب سبعة» وقع فيه الاتحاد العمالي العام؟ لماذا انضمت إليه قوى سياسية كالحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وبعض حلفاء التيار الوطني الحرّ، ليصبح الإضراب خلطة سحرية للضغط لتأليف الحكومة؟ هل هو مزيج من كل ما سبق؟هذه عيّنة من الأسئلة التي أثيرت عقب إعلان قيادة الاتحاد العمالي العام تنفيذ تحرّك احتجاجي أسمته «إضراباً وطنياً شاملاً» هو عبارة عن إضراب منزلي بلا تظاهرة واعتصامات وقطع طرقات. هي أسئلة مشروعة في ضوء انطلاقة هذا التحرّك التي بدأت بحملة إعلامية نفذتها جمعية «حزب سبعة» بهدف الضغط في اتجاه تشكيل حكومة من أخصائيين، وانتهت بتبنّي الإضراب من قوى سياسية عدة. ففي البدء كان التحرّك موجهاً ضد قوى السلطة التي تشكّل الحكومة وانتهى الأمر بتبنّي هذه القوى، بغالبية شرائحها العمالية والرأسمالية والسياسية الإضراب.
لا يخفي رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أن فكرة الإضراب كانت من بنات أفكار «حزب سبعة»، وأنه على تنسيق دائم معه. وهو يدرك أن سعي الحزب إلى دفع الاتحاد العمالي العام إلى تبنّي الإضراب سبقته محاولة فاشلة لدفع الهيئات الاقتصادية نحو تبنّيه أيضاً. كذلك يعلم أن الدعم السياسي للإضراب لم يكن واسعاً وشاملاً يوم الإعلان، إلا أنه ينفي أن يكون حزب سبعة قد استدرجه إلى هذا التحرّك. المهم بالنسبة له تحييد الشارع عن هذه اللعبة، وألا يكون هناك أي تظاهرات واعتصامات في الشارع قد تستجلب «التجربة الفرنسية الأخيرة» وفق ما قال لـ«الأخبار».
بالنسبة لـ«حزب سبعة»، الأمر مختلف. الأمين العام للحزب جاد داغر يقول إن الفكرة تعود إلى ناشطين في الحزب الذين قاموا بحملة إعلامية مع المشاهير (فنانين وفنانات) وتمكنوا من إنتاج فيديو خاص عرضوه على رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير فرفض الفكرة بكاملها، ثم ذهبوا إلى الاتحاد العمالي العام حيث تمكّنوا من فرض الإضراب بهدف الضغط في اتجاه تشكيل حكومة من أخصائيين». ومن الواضح بالنسبة لـ«سبعة» أن «الإضراب عندما صار واقعاً انضم السياسيون إليه حتى لا يسجّل عليهم انتصار سياسي».
جاءت ولادة هذا التحرّك بعد أحداث مصطنعة نجح «حزب سبعة» في تحويلها إلى إضراب. الشعار المرفوع يشبه كثيراً شعارات الهيئات الاقتصادية، التي كانت الدعوة موجهة لها، لا للاتحاد العمالي العام الذي لديه الكثير من المطالب التي يمكن اتخاذها شعاراً، وأبرزها زيادة الأجور في القطاع الخاص وإعطاء العاملين زيادة غلاء معيشة تعوّضهم عن تضخم تآكل قدراتهم الشرائية. هذا الإضراب ظهر إلى العلن يوم عيد الميلاد في 25 كانون الأول الماضي حين نُشر على صفحة «سبعة» على الفايسبوك إشعار يشير إلى أن هذه الجمعية (حزب سبعة) تلعب «دوراً فاعلاً في دعم وتنظيم تحرّكات ضاغطة لإصلاح الوضع القائم داعم للتحرّكات». بعد ذلك، باشر «سبعة» تواصله مع رئيس هيئات أصحاب العمل محمد شقير. رفض شقير الفكرة من أساسها، لكن ممثلي أصحاب العمل تلقوا رسائل «واتس آب» تتضمن فيديو لفنانين وفنانات يدعون للمشاركة في الإضراب. ممثلو أصحاب العمل عقدوا اجتماعاً يوم 31 كانون الأول لمناقشة الأمر. تبيّن أن حسابات أعضاء هيئات أصحاب العمل ليست متساوية، بل تندرج ضمن حسابات سياسية بالدرجة الأولى. بعضهم اعتبر أن الإضراب قد يكون فكرة جيدة للتعبير عن الولاء السياسي لهذا الزعيم أو ذاك، والآخرون تحدثوا عن الضرر الذي يمكن أن يسبّبه إضراب كهذا لزعمائهم السياسيين ولمصالحهم الخاصة أيضاً.
بحسب أكثر من مصدر في هيئات أصحاب العمل، فإن القرار اتخذ بألا يكون هناك أي مشاركة في الإضراب بعدما تبيّن أن «سبعة» هو الذي يقف وراءه. لم يكن هؤلاء على اطلاع بأن النائب (وأحد زملائهم) نعمة افرام سيكون مؤيداً لخطوة كهذه. ولم يتنبأوا بأن وزير السياحة سيكون مسانداً لهذه الخطوة، ولا بأن الحزب التقدمي الاشتراكي سيصدر بيانات مؤيدة أيضاً.
أياً يكن الحال، فإن خطّة «سبعة» لم تنجح في «استقطاب» أصحاب العمل، فانتقل إلى الاتحاد العمالي العام. بحسب مصادر نقابية، حضر وفد إلى الاتحاد والتقى رئيسه بشارة الأسمر وطلب منه المشاركة في الإضراب. تلقف الأسمر بادرة «سبعة». اشترط عليهم ألا يكون التحرّك في الشارع، ثم دعا هيئة مكتب الاتحاد إلى اجتماع عرض فيه تنفيذ إضراب مستعجل تحت عنوان الضغط من أجل تشكيل الحكومة. رفضت هيئة المكتب السير بهذا التحرّك من دون أن يكون هناك قرار صادر عن المجلس التنفيذي للاتحاد. في الواقع، تقول مصادر مطلعة إن أعضاء هيئة المكتب كانوا بحاجة لبعض الوقت من أجل التدقيق بخلفيات هذه الدعوة المفاجئة، فضلاً عن أن تنفيذها بهذه السرعة يتطلب موافقة من مرجعياتهم السياسية، لكن لم يكن هناك أي شكّ لديهم بأن الأسمر، المحسوب على حركة أمل، قد يقوم بخطوة فردية من هذا النوع، خصوصاً أن «أمل» تسيطر على المجلس التنفيذي للاتحاد من خلال سيطرتها على غالبية أصوات الاتحادات المنضوية فيه.
هكذا صوّت الاتحاد على تنفيذ «إضراب وطني شامل» بعيداً عن الشارع. في المنازل فقط بحسب بيان المجلس التنفيذي الذي دعا «جميع عمال لبنان في قطاعاتهم كافة وفي جميع المناطق والمؤسسات والإدارات العامة والمصالح المستقلة والمصارف والمصانع والمتاجر إلى تنفيذ إضراب وطني شامل، وعدم التوجه إلى أعمالهم والتزام منازلهم كمبادرة احتجاج أولية ورفض لكل ما يجري والتحضير لتصعيد المواقف بمختلف أساليب الإضراب والاعتصام والتظاهر بالتنسيق مع القوى والأطراف الاجتماعية كافة بكل الوسائل الضرورية الضاغطة وصولاً إلى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن».
اختلط الأمر على الاتحادات والنقابات. فهذه الوقائع تلغي حقيقة أن يكون الإضراب مبنياً على تلك الشراكة التي كرّسها الاتحاد العمالي العام مع هيئات أصحاب العمل على مدى السنوات الماضية، وكان آخرها استدعاء الأسمر إلى منزل النائب السابق سليم دياب للوقوف على خاطر رئيس الهيئات محمد شقير وضرورة التنسيق معه.
لم تعلن اتحادات النقل والسائقين العموميين المحسوبة على «أمل» أي موقف من الإضراب


هكذا بدأت تتسع دائرة الأسئلة مع انضمام السياسيين إلى حفلة الإضراب المنزلي. هل جاء الأمر من حركة أمل؟ هل تمكن «حزب سبعة» من الإيقاع بممثلي الأحزاب في الاتحاد العمالي العام؟ هل يهدف الأسمر إلى تلميع صورته؟ أليست لدى الاتحاد العمالي العام مطالب تتعلق بالعمّال يمكن أن تدفعه لتنفيذ عشرات التحركات الاحتجاجية؟
يقول الأسمر إن التحرّك أمام تحدّ كبير. فهو لن يكون في الشارع، ولن يكون هناك أي قدرة على إغلاق الطرقات، ما يعني أن نجاح الإضراب يتوقف على مشاركة الناس فيه بإرادتها. واللافت أن الاتحادات والنقابات العمالية لم تشارك بفعالية في مساندة الإضراب. فعلى سبيل المثال، لم تعلن اتحادات النقل والسائقين العموميين المحسوبة على «أمل» أي موقف من الإضراب. بعضهم يقول إن هذا الأمر عبارة عن توزيع أدوار حتى لا تتهم «أمل» بهذه الخطوة التي يمكن تفسيرها سياسياً. كما أن اتحاد النقل الجوي الذي يدور في الفلك السياسي نفسه أعلن التوقف عن العمل لمدة ساعة واحدة فقط. وكما يبدو أن الإضراب سيقوم على عاتق اتحاد المصالح المستقلة الذي يشمل اتحادات الإهراءات والمرفأ والكهرباء وسكك الحديد والنقل المشترك، وهو الاتحاد الذي كان يرأسه الأسمر قبل انتخابه رئيساً للاتحاد العمالي العام.