منتصف ليل 30 تموز تسلّلت وحدة مشاة من لواء «ناحال» (حوالى 200 جندي) من مستوطنة مسكفعام وصولاً إلى مشروع مياه الطيبة، حيث تموضعت القوة حتى ساعات الفجر الأولى. عند الفجر، بدأت القوة بالتسلل في حارة المشروع متوجهة إلى أحد المباني المشرفة لتأمين رؤية مباشرة لرصد ومراقبة حركة المقاومين، وفي لحظة الاقتراب من المبنى شكّ العدو في حركة داخل المبنى (رغم أنه كان فارغاً). أبلغت القوة قيادتها بشأن نيّتها فتح النار واقتحام المبنى وبدء التمشيط والاقتحام. كل هذا في ظل القصف الدخاني الكثيف، وتحليق طائرات استطلاع على علوّ منخفض جداً منها، وفي ظل وجود مروحيات مقاتلة فوق بلدة العديسة المحاذية لمستوطنة «مسكفعام».بدأت القوة بإطلاق النار والتقدّم بين المباني في حارة المشروع. حينها تحركت مجموعة من المقاومين المتمركزين في بلدة الطيبة، فشُكّل فريق استطلاع أول من مقاومَيْن، وانطلقا إلى غرب حارة مشروع الطيبة، وانطلق مقاوم آخر في دورية استطلاعية ثانية إلى شرق المشروع لتحديد مكان قوات العدو بدقّة.
في هذا الوقت تم طلب الدعم الناري من مرابض ونقاط مختلفة، على شكل قذائف مدفعية وصواريخ صغيرة ورشاشات ثقيلة. في هذه اللحظات، كان أحد أفراد فريق الاستطلاع الأول قد حدد مكان وجود جنود العدو غرب مشروع الطيبة، حيث رآهم يفجّرون بوابات المبنى المؤلف من ثلاث طبقات، ويدخلون إليه تحت غطاء ناري كثيف على الأبنية المجاورة، وكانوا بالعشرات مدجّجين بالسلاح.
اتجه المقاوم («كرّار») إلى إحدى مجموعات المقاومين ليصطحبهم إلى موقع قوات العدو، وانطلقوا جميعاً إلى كرم زيتون مقابل المبنى، ليصبح عدد المقاومين كلهم في المكان سبعة. كان أمر القيادة أن يفتح الاشتباك فوراً، بالقول: «افتحوا النار، لا تتركوا جنود العدو يشعرون بالاستقرار والراحة». تريّث المقاومون لكي يستطيعوا رؤية جنود العدو، وفي تلك اللحظة وقف اثنان منهم عند نافذة في الطبقة الثانية والأخيرة يستطلعان الجوار، حيث سدّد مقاوم قاذفه نحوهما، وسدّد آخر نحو الشرفة الشمالية قرب السلالم، حيث كان أحد الجنود ينزل من الطبقة الثانية إلى الأولى، بادياً ظله على الدرج. وما إن صار الجنديان في نقطة المقتل حتى رماهما المقاوم الأول على النافذة، فتمزقا أشلاءً، ورمى المقاوم الآخر الجندي على الشرفة، فقتله على الفور.
انهمرت زخات رصاص المقاومين على كل نافذة وشرفة من الطبقات الثلاث لأكثر من 20 دقيقة. كان المقاومون يطلقون النار، واستمروا في الرماية بالقذائف، فرمى أحدهم قذيفة اخترقت نافذة الطبقة الأولى وانفجرت في أحد الأعمدة وسط الغرف في الممر، حيث أصيب عدد كبير من جنود العدو. وبدأ هؤلاء بإطلاق النار وهم منبطحون أرضاً عبر النوافذ برشقات غزيرة. في كل ذلك الوقت، كانت الصورة تنتقل إلى القيادة بالتفاصيل عبر اللاسلكي، وكانت أصوات طلقاتهم مسموعة على «الجهاز» ويسمعها كل المحور ومحاور مجاورة أيضاً.
وفي وقت معيّن نفذت ذخيرة خمسة مقاومين، ولم يتبقَّ من الذخائر سوى ذخيرة السلاح الفردي لمقاوميْن اثنين. حينها طلبت القيادة اقتحام المبنى وجلب الجثث بعبارة «صاحبك بيقلك فوت ليهن وجيبهم»، فاستجاب المقاومون لأمر القيادة، حيث تقدّم واحد منهم، يسانده الآخر بإطلاق النار على النوافذ بطلقات ورشقات متقطعة وموزعة على نوافذ المبنى، ورمى المقاوم المتقدم قذيفتان على الغرف في الطبقتين الأولى والثانية. ثم تقدم مسافة 5 أمتار، وألقى ثلاث قنابل يدوية في الطبقة الأولى والثانية، حيث كان جنود العدو يصيحون مرتبكين.
تقدم «كرّار» إلى البوابة الرئيسية وصاح بجنود العدوّ: «سلّم تسلم ــ الله أكبر (بصوت مرتفع)»، عندها علت أصواتهم بالصراخ من الطبقات الثلاث، كأنهم مجانين، وكأن القيامة قد قامت، حتى إن أصوات تكسير الأثاث جرّاء الهروب إلى الغرف الجنوبية من المبنى كانت عالية جداً، وبدأ جنود العدو داخل المبنى بإطلاق النار بكثافة جنونية على البوابة الرئيسية للطبقة الأولى (مكان وجود المقاوم). كانت شظايا الجدران والطلقات تتطاير عليه، حيث وضع بندقيته على وجهه ليحميه من الإصابة. استبعد المقاوم إمكانية الدخول من هذه البوابة، فانطلق واقتحم غرفة أخرى تبيّن أنها فارغة، حينها نزل إلى نوافذ الطبقة الأرضية من الجهة الخلفية للمبنى، في محاولة لدخوله.
كانت أصوات جنود العدو تدل على كثرة العدد، وتدل على الخوف والهلع، حينها أدخل المقاوم فوهة البندقية من بين حديد النافذة لتلتصق بزجاجها وأفرغ 30 طلقة في الغرفة موجّهاً بندقيته من الأعلى إلى الأسفل، ثم انتقل إلى النافذة الثانية، وأثناء تغييره مخزن سلاحه فتح أحد الجنود نافذة الطبقة الأولى فوق النافذة التي تم إطلاق النار بداخلها، وأخرج بندقيته ويديه من دون إظهار رأسه، وصار يطلق الرشقات إلى الأسفل ظناً منه أن المقاوم ما زال أمام النافذة الأولى.
انتظر «كرّار» برهة من الزمن لعلّ الجندي يُخرج رأسه، ولكنه لم يفعل، فرماه بعدد من الطلقات، أصابت يديه والبندقية. ولولا حزام البندقية على رقبته لسقطت من النافذة، وذلك على مسافة 3 أمتار أو أقل.
ارتمى الجندي إلى الخلف، مترافقاً ذلك مع صراخه وصراخ رفاقه. وفي الوقت الذي كان «كرّار» يفرغ فيه باقي طلقاته في النافذة الثانية من الطبقة السفلية، رمى جنود العدو ثلاث قنابل يدوية من نافذة الطبقة الأولى، فانفجرت على الأرض بعيدة عنه مسافة تتراوح ما بين مترين وخمسة أمتار، ولكنه لم يصب بأذى.
بقي لدى المقاوم مخزن واحد في جعبته، ذخّر به البندقية، وتسلّق سلّماً كان موجوداً في المكان ويؤدّي إلى شرفة في المبنى على ارتفاع مترين ونصف متر تقريباً، حينها بدأ جنود التأمين لدى العدو بإطلاق النار عليه من مبنى مقابل.
ترجّل «كرّار» حينها، والتفَّ واحتمى بزاوية المبنى، وردّ على النار بالنار مراراً، برشقات قليلة. في هذا الوقت، تشجّع عدد من جنود مجموعة التأمين الذين كانوا يشعرون بالرعب، وازداد عدد مطلقي النار ليصبح كثيفاً. وأثناء تبادل النيران، أصيب «كرّار» حيث إن إحدى الطلقات أتت أمام عينيه في عمود الإسمنت، فانكسرت قطعة منه أصابت ركبته. في الوقت نفسه، أصيب بطلقة مباشرة أسفل ركبته اليمنى، فتكسّرت.
ارتمى على ظهره وزحف إلى الخلف وهو يطلق النار على شرفة المنزل التي تعلوه تحسّباً من خروج جنود العدو لقتله، ولكنهم لم يفعلوا. كل هذا في ظل رمايات قائد مجموعة المقاومين المتقطعة التي يحاول من خلالها تغطية حركة «كرّار»، وكان قد صار وحيداً، بعد طلبه من المقاومين الآخرين التراجع لجلب الذخائر بعدما نفدت في الاشتباك.
وقف الجريح على قدمه، وصار يقفز إلى الخلف رامياً طلقة طلقة على كل مبنى، وقفز من «جلّ» إلى آخر، حيث تكسّرت قدمه مكان الإصابة، وبدأ بالزحف ليدخل كرم زيتون مجاور، حينها رمى بعض الطلقات، ليتمكّن من تحديد مصادر نيران العدو، ولكن جنود العدو لم يطلقوا النار، فجلس على الحائط، وتدلى منه ليصل إلى أرض كرم الزيتون.
استهلك الكثير من الوقت في مكان يشرف عليه كلا المبنيين. ولو أن جندياً واحداً تجرّأ ووقف على قدميه لاستطاع قتل الجريح بكل بساطة، حيث إن المسافة التي تبعده عنهم لا تتعدى عشرين متراً، إلا أن جنود العدو كانوا مذعورين على نحو لا يصدق.
حاول الجريح تضميد جرحه البالغ وإيقاف النزيف الحاد: «خلع جعبته التي فرغت من الطلقات تماماً، ثم مزّق إسفنجها، ووضعه على ركبته وربطها بحبل، ومع هذا بقي النزيف على حاله». تكلّم حينها مع القيادة، التي طلبت وقف رمايات المدفعية، بعد علمهم بأنه ما زال حياً، وطلبوا منه تحديد مكان جنود العدو، ولكنه قال: «لا أعلم، وكأنهم اختفوا، فلم يعد هناك أي طلقة نار، وكأن شيئاً لم يكن»، وأكمل زحفه، ولكن طاقته قد تلِفت بشكل رهيب، حتى إنه لم يستطع حمل بندقيته، فصار يجرّها جراً، ثم تخلى عنها (بعد الحرب، تم التقاط بندقيته، حيث كان بداخلها 6 طلقات من أصل 8 مخازن 30 طلقة)، وحمل مسدسه فصار يسقط من يده، فوضعه تحت الحزام في وقت تعطل فيه مكبّر صوت الجهاز، فلم يعد يسمع الآخرين، ولكنه يستطيع التحدث.
استأنف المقاوم الجريح زحفه بعد منتصف الليل (حيث إنه كان يزحف مسافة تتراوح ما بين 3 إلى 5 أمتار، ويغيب بعدها عن الوعي، وهكذا دواليك...). أثناء ذلك، وجد جُثّة على الطريق العام، اقترب منها، فإذا هي للشهيد حسن حمادي (أبو صالح: قائد مجموعة الإغارة على المبنى)، وفي اللحظة التي كان يتكلم فيها الجريح مع الشهيد وبصوت مرتفع نسبياً، رمى جنود العدو قذيفة نحوه، إذ تبيّن أنهم قريبون منه جداً، حينها حاول «كرّار» الجريح أخذ البندقية من الشهيد حمادي، لكنه لم يستطع ذلك، فأخذ من الشهيد جهازه، وأكمل زحفه ليسمع صوت أحدهم يتقيّأ ويقول: «يا الله... يا صاحب الزمان»، تبيّن لاحقاً أنه الشهيد فادي كاظم ابن بلدة الطيبة الذي كان مصاباً إصابات بالغة أثناء محاولته التقدّم لسحب الجريح، استشهد على إثرها بعد أن زحف مسافة 150 متراً ليشرب الماء من أحد الخزانات، لكنه استشهد قبل أن يصل.
بالتزامن مع ذلك، انتقل الشهيد محمد صولي ومقاوم آخر من مجموعة الإغارة على المبنى إلى وسط بلدة الطيبة للتزوّد بالذخائر، لكن استهدفتهما طائرة الاستطلاع، فأصابت صولي. تبيّن لاحقاً أن الصاروخ قد بتر قدمه، وبقيت معلقة باللحم، فربطها وزحف مسافة قليلة، حيث وجد مستشهداً قرب أحد الجدران في البلدة.
نفدت ذخيرة خمسة مقاومين، ولم يتبقَّ من الذخائر سوى ذخيرة السلاح الفردي لمقاوميْن اثنين


في صباح اليوم التالي (01/08/2006)، أرسلت القيادة مجموعة لسحب الجريح، رغم رفضه مخافة أن تتعرض للخطر وهم يحاولون سحبه. وصلت المجموعة إليه، وأدخلوه الطبقة السفلية من مبنى قريب.
نام المجاهدون ليلة واحدة مع «كرّار» حيث فرض عليهم الرحيل في اليوم التالي بسبب وجود خطر عليهم في حال بقائهم، على أن يتم سحبه لاحقاً. في منتصف ليل اليوم التالي (02/08/2006)، سمع المقاوم حركة خلف النافذة المحطمة الزجاج. كانوا ثلاثة يتخاطبون همساً. حاول فهم اللغة، ولكنهم كانوا يتهامسون، حينها انفجرت عبوة على البوابة الرئيسية للمبنى، تبيّن أنهم جنود هندسة من العدو فخّخوا البوابة ونزلوا في المستودع ليحتموا، وبدأ جنود العدو بالرمايات الكثيفة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة على المبنى والمباني المجاورة، وبدأوا باقتحام المبنى، ودخل فيه عشرات الجنود.
حاول «كرّار» الجلوس قرب إحدى النوافذ لربما استطاع قتل أحدهم بالمسدس قبل أسره، فوضع عدداً من الأغطية على السرير، وجلس منصتاً لأي حركة، ولكنه استفاق على نفسه ملقى على الأرض بين السريرين (حيث كان قد أغمي عليه، وسقط عن السرير). حينها استلقى على السرير، ووضع بلاطة (بلاطة «دق اللحمة» التي كان يتيمّم عليها لأداء الصلاة) أمام صدره، ووجّه مسدسه نحو الباب، وانتظر لحظة دخول جنود العدو إلى الغرفة.
بعد أيام، أخلى جنود العدو المبنى، وانتقل المقاومون إلى المكان لسحب الجريح إلى وسط البلدة حيث المسعف (الشهيد «دماء»/ مصطفى أمهز)، والجرحى. بعد وصوله، ومع حساب الأيام، تبيّن أن «كرّار» مكث يوماً كاملاً أثناء الزحف، ويوماً آخر مكثه مع المقاومين الذين رفض بقاءهم معه في المبنى، وأنه مكث وحيداً أسفل تموضع جنود العدو سبعة أيام من دون أن يجرؤوا على اقتحام الغرفة التي كان فيها، أي تسعة أيام من لحظة المواجهة حتى لحظة وصوله إلى مكان تجمّع الجرحى ووجود المسعف.

* (ملاحظتان: 1) أتمّ الجريح خلال عدوان تموز سنواته العشر في المقاومة. 2) «كرّار» اسم مستعار لكونه لا زال في «الخدمة»)



بعد وقف إطلاق النار بأقل من ساعة، وبعدما بدأ جنود العدو بالانسحاب من بلدة الطيبة، ذهبت مجموعة من المقاومين في جولة تفقدية للمنازل في مشروع الطيبة حيث سمعوا في أحدها أصوات أشخاص يتحدثون العبرية، فحاولوا فتح باب المنزل إلا أن الجنود من خلف الباب كانوا يضغطون عليه بأجسادهم خوفاً من أن يدخل عليهم المقاومون، إلا أن أمر القيادة كان أن «هنالك وقفاً لإطلاق النار»، وبالتالي «اتركوهم لينسحبوا...».


شهداء المقاومة في الطيبة أثناء الحرب


الشهيد السيد علي عبد الله صولي (السيد صافي)، وهو قائد عمليات المقاومة في بلدة الطيبة إبّان حرب تموز. الشهيد من مواليد 1 آب 1972، وهو ابن البلدة. تفرّغ للعمل المقاوم في سن السادسة عشر، حيث كان متأثراً بأخيه الشهيد محمد عبد الله صولي، فرافقه إلى المحاور القتالية مرات عدة. لم تمض فترة أربعة أشهر معاً في محاور المقاومة، حتى استشهد محمد. استمر على طريق أخيه، فكان مبدعاً في الكمائن والرصد، مما حدا بمسؤوليه ترقيته. عُرف السيد صافي بتواضعه وكتمانه. لم يحاول أحد سؤاله عن عمله أو مهماته وأسرار المقاومة، إلا وجده مبتسماً متمنّعاً عن الإجابة. استشهد في آخر أيام الحرب، بتاريخ 7 آب في بلدته الطيبة التي قاتل فيها طوال أيام العدوان.


الشهيد حسن محمد حمادي، المعروف بـ«أبو صالح كفرملكي»، ولد في 3 نيسان 1973، في بلدة كفرملكي الجنوبية. في العام 1995، انضم إلى صفوف المقاومة الإسلامية، وعُرف الشهيد بولعه بالمشاركات الميدانية التي لا تخلو من الاشتباك والالتحام. كان أبو صالح قائد المجموعة التي أغارت على المبنى الذي تحصّن فيه جنود العدو في مشروع الطيبة. استشهد في 30 تموز 2006، في بلدة الطيبة.


الشهيد فادي كاظم، وهو من أبناء البلدة ومن المشاركين في التصدي لجنود العدو فيها.


الشهيد محمد أحمد يحيى، وهو من أبناء البلدة ومن المشاركين في التصدي لجنود العدو فيها.


الشهيد محمد صولي، وهو من أبناء البلدة ومن المشاركين في التصدي لجنود العدو فيها.

«نيران على قواتنا»

في العام 2007، أصدر عمير رابابورت، واحد من كبار المعلقين والخبراء الإسرائيليين في الشؤون العسكرية، كتابه «نيران على قواتنا». نستعيد هنا بعضاً من مقاطع هذا الكتاب المتعلقّة بما بعد قرار كيان العدو «البدء بمعركة برية»، وبمعركة الطيبة

● استعدّ «لواء ناحال» لمداهمة قرية الطيبة التي تعدّ رمزاً هي الأخرى. فهناك بدأ انهيار الحزام الأمني في أيار 2000. «اللواء 401» المزود بأكثر الدبابات تطوراً في الجيش («ميركافا 4») تلقى مهمة السيطرة على جبل العويضة والعديسة، لكي يغطي من الجنوب على العملية في الطيبة. وكان تحت أمرته «الكتيبة 13 غولاني» التي لم تعمل منذ بداية الحرب في إطار لوائها الأم. الفجوة ما بين القوات، التي خصصت لاحتلال الطيبة، وبين مقاتلي حزب الله القلائل، كانت كبيرة جداً. ولكن فقط كتيبة دورية «ناحال» بقيادة المقدم شاي، خريج الكوماندوس البحري، وصلت إلى هدفها في الوقت. باقي قوات «اللواء 401» و«ناحال» علقت في ازدحام كبير خلال الدخول إلى لبنان. مقاتلو «سييرت ياعل» للهندسة الحربية، انشغلوا لساعات في محاولة التطهير من ألغام ضد الأفراد في المنطقة ما بين السياج وبين الطريق الذي يفترض بالقوات أن تتحرك عليه. وطيلة ذلك الوقت انتظرت الدبابات والجنود من دون عمل. قائد «اللواء 401»، العقيد موطي كيدور، فقد صبره، فصعد على متن دبابة وداس بواسطتها خط التحرك في حقل الألغام فحرّر الازدحام.


وبعد أن فُتحت الطريق، جرت أيضاً الحركة ببطء وازدحام كبير. ولو هاجم حزب الله آلاف المقاتلين المتحركين على الطريق لكان المصابون كثيرين. ولكن مقاتلي الحزب بقوا متمسكين بنظرية حرب العصابات – انتظار العدو في مكان محصن جيداً والمهاجمة فقط عندما يقترب من الهدف. وهكذا قتل يهونتان شرعبي، من «الكتيبة 46»، التي عملت تحت أمرة لواء نحال عندما أطلقت مجموعة مضادات للدروع مختبئة في المنطقة، صاروخاً باتجاه دبابته «ميركافا 4» بالقرب من الطيبة.

● بعد يومين من التهدئة، على اثر حادثة قانا وتقييد عمل سلاح الجو، عاد حزب الله إلى إمطار كل المنطقة الشمالية بالصواريخ. ضوعف زخم القصف إلى أكثر من مائتي صاروخ يومياً، مقابل مئة حتى مئة وخمسين في الفترة التي سبقت قانا. كانت النتائج قاسية، فعلى مدار يومي 2 و3 آب، قُتل تسعة مدنيين في كيبوتس ساعر وفي عكا وترشيحا. إزاء عدد المصابين الآخذ بالتزايد، والشعور بالمراوحة وحقيقة أنه حتى المنطقة الأمنية الخاصة لم تحتل كاملة، زاد رئيس شعبة الاستخبارات من انتقاداته التي بدأ يتفوّه بها بعد التورط في بنت جبيل. توجه عاموس يدلين إلى رئيس شعبة العمليات غادي أيزنكوت (الصورة)، وقال: «أنظر يا غادي، أنتم طيلة الوقت تغيّرون تفكيركم، القوات تجنّ، في كل مرة عندما تغيّر الخطط نخسر من ثلاثة إلى أربعة أيام».

● الثالث من آب كان يوماً مهماً بالنسبة إلى رئيس الأركان دان حالوتس. فقد كانت هذه هي المرة الأولى منذ بدء الحرب، التي يتحدث فيها بشكل صريح عن ضرورة العملية البرية حتى نهر الليطاني. وكانت الفكرة نقل جوي لقوات مظليين احتياط من فرقة النار باتجاه مناطق إطلاق الكاتيوشا في قرية شقرا. وضمت قوات برية إليها تعبر وادي السلوقي، غرب إصبع الجليل قبالة مسكاف عام. قال حالوتس: «ثمة أهمية كبيرة لضرب المناطق التي تطلق منها الصواريخ باتجاه مدن شمال إسرائيل». كلام رئيس الأركان دلّ على أنه استوعب أخيراً ضرورة مواجهة القصف. ولكن بعد ذلك فوراً، أدهش السامعين عندما قال: «يجب استكمال احتلال بنت جبيل في الأسبوع المقبل»، خلافاً لوعده الصريح لقادة المنطقة الشمالية بأنه لن يقوم بمحاولة أخرى لاحتلال البلدة. إذ لم يكن مرتاحاً أبداً أن رمز حزب الله، لم يفجّر بعد. وفي الأركان العامة قدّروا أنه ليس مستعداً (حالوتس) لإنهاء الحرب من دون أن تكون بنت جبيل في أيدي الجيش. في كل تلك الأيام استمرت المشاورات المتواصلة في مكتب وزير الدفاع بمشاركة مسؤولي الجيش وبقية الأذرع الأمنية. عاملات المكتب أغنين الطاولات بما لذّ وطاب. في الجلسات الطويلة، بشكل خاص، كانت طاولات المناقشات مليئة بالأطايب، إلا أنه وفي إحدى المناقشات عندما جاء خبر عن قتيل آخر. قال أحدهم: «لا نستطيع أن نكون هنا كما في حفلة قران بينما في لبنان يقتل الجنود».

● في صباح 4 آب، كان الجيش يقف على أعتاب مرحلة جديدة. فللمرة الأولى منذ بدء الحرب، كانت هناك تعليمات بالتحرك إلى الأمام، من أجل الوصول إلى أكبر عدد من منصات الكاتيوشا. لغاية تلك المرحلة، لم يجرِ الحديث عن عملية لغاية الليطاني. ولكن في القطاع الغربي، تلقى لواء المظليين الضوء الأخضر بالالتفاف على بنت جبيل، وفي هذه المرحلة من دون الدخول إليها، وتلقى أمراً بالصعود إلى سلسلة جبال «السيلفستر»، شمال المدينة، والالتفاف عليها أيضاً. بينما كان يفترض بلواء الكسندروني، أن يهدد الضواحي الجنوبية لصور، من جهة رأس البياضة.
تواصل القتال في القطاع الشرقي، داخل القرى القريبة من الحدود. ولكن النية هذه المرة كانت واضحة، أن يجري تجاوزها من أجل الاقتراب من السلوقي، استعداداً لاحتمال عبور الوادي. ولكن حتى عندما كانت الخطط واضحة جداً، قام الجيش بكل ما يمكن القيام به، لكي يُفشل نفسه. (...)
كان يفترض بمقاتلي ناحال أن يعبروا حولا ويواصلوا باتجاه السلوقي. ولسوء الحظ، فإن البيت الأول، الذي دخلوه في القرية كان مستودع ذخيرة لحزب الله يحرسه مقاتلان (...) ولكنهم لم يعرفوا أن في داخل البيت يتمركز مقاتلون من حزب الله. وخلال تمشيط الغرف، فاجأهم مقاتلان من حزب الله، كانا يرتديان الزي العسكري الإسرائيلي. وداخل المنزل، وقع اشتباك من المسافة الصفر (...) وامتلأ البيت بالدخان وبدأت الذخائر بالتفجر. خمسة جرحى تم إنقاذهم من داخل المبنى. قائد المجموعة بقي ينزف قرب الغرفة التي كان المخرّبان لا يزالان فيها.