قبل أكثر من أسبوع على تحرير الرئيس سعد الحريري (22 تشرين الثاني 2017) من «سجنه» في الرياض، بدأت تظهر علامات الهزيمة السعودية، وخسارتها لمعركة إسقاط الحكومة والحريري والاستقرار في لبنان. برقيات السفارة الإماراتية في بيروت سجّلت وقائع تلك المرحلة، وأبرز ما فيها، إضافة إلى الخيبة، إصرار رئيس حزب القوات سمير جعجع على ضرورة أن تضغط السعودية على الحريري لكي لا يتراجع عن استقالته. في ما يأتي، برقية السفير الإماراتي السرية المؤرخة يوم 14 تشرين الثاني 2017:آخر المستجدات حول أزمة الحكومة اللبنانية
يصر الأفرقاء اللبنانيون على ادعاء تحقيق انتصار على المملكة العربية السعودية، ويعتبرون أن هذا الانتصار جرى تحقيقه بشقين، سياسي وديبلوماسي. في الشق السياسي يعتبرون أن الرئيس سعد الحريري تراجع كثيراً في إطلالته التلفزيونية عن السقف المرتفع الذي كان قد وضعه في بيان استقالته، وبالتالي إعلانه الاستعداد للعودة عن الاستقالة أو لإعادة نسج التسوية، فإن ذلك يعني أن السعودية منيت بخسارة معينة، لا يمكن فصل الأجواء الإقليمية والدولية عنها، بمعنى أن الدول الكبرى لم توافق السعودية على مسعاها وعلى ما كانت تريده من لبنان، وبالتالي اضطرت إلى لجم التصعيد.
أما الانتصار الديبلوماسي، فيعتبر رئيس الجمهورية والمقربون منه، أن صموده وطريقة تعاطيه مع الأزمة، نجحت في ردّ الهجوم إلى أصحابه، ويدعي عون أمام زواره أنه استطاع الانتصار على السعودية، وحشرها من خلال موقفه، إذ إنه لم يسمح لها بتحقيق أي نتيجة في لبنان من خلال استقالة الحريري، كما ينقل عنه بعض زواره، بأنه يقول إنه يستعد لأن يدفع السعودية لإعادة الطلب من الأفرقاء اللبنانيين لإعادة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، لأنها ستكتشف حجم الخسائر التي منيت بها.
لا شك أن هذه الأزمة، كشفت حجم العداء اللبناني الذي تكنه أطراف عدة في لبنان للسعودية، خصوصاً من أركان عهد ميشال عون، كمستشاريه، ونوابه ووزرائه، إضافة إلى وزير الخارجية بشكل أساسي، والذي بدأ جولة دولية على عدد من العواصم الأوروبية، للمطالبة باطلاق سراح الحريري، ويقول: «لبنان لا يزال يعالج المشكلة مع السعودية من ضمن العلاقات الثنائية الأخوية والجولة هي لحث السعودية على ان ما يحصل غير مقبول».
ولا شك أن باسيل بهذا الحراك الذي يقوم به والتصريحات التي يطلقها، فهو لا يغرد وحيداً، بل هو مدعوم من حزب الله، ومن رئيس الجمهورية، كما يستند إلى بعض المواقف الدولية، وهنا يبتدع باسيل معادلة جديدة، بأنه إذا لم يعد الحريري إلى لبنان من الآن وحتى أربعة أيام، مع عائلته، فهذا يعني أن هناك مسألة اختطاف حقيقية وبأنه ليس حراً، أما إذا ما عاد من دون عائلته، فهو سيبقى مخطوفاً لأن السعودية ستبقى مهددة لعائلته، وبالتالي خوفاً على عائلته لن يكون الحريري حراً في حركته وقراراته. وهنا يبدو واضحاً النفس الهجومي الذي ينطلق منه باسيل، ضد السعودية، وهذا يعني أن المحور الذي ينتمي إليه غير قابل للتراجع، ولا يزال مستمرا في هجومه.
يعكس هذا المنطق حجم الابتزاز الذي يتعاطى فيه لبنان الرسمي مع هذه الأزمة، لا سيما أن فريقاً من معاوني عون وباسيل، بدأوا العمل على التلويح بأن أي أزمة ستطاول لبنان لن تقتصر عليه، إذ إن ما يعانيه سينعكس على اللاجئين السوريين مثلاً، وهذا ما قد يستغلونه لأجل تهجير اللاجئين من لبنان إلى دول أخرى، لاستخدام هذه الورقة كورقة ضغط على الأوروبيين مثلاً، أي من خلال إغراق أوروبا باللاجئين الذين يقطنون في لبنان.
في مقابل ذلك، يتخوف بعض قوى 14 آذار وعلى رأسهم سمير جعجع، من حجم التراجع السعودي، ومن حجم الضخ الذي يضخه حزب الله ورئيس الجمهورية بأنهما حققا انتصاراً على السعودية، وهذا ما يربطونه بكلام الحريري عن عودته عن الاستقالة، إذ يرى جعجع أن أي تراجع للحريري عن استقالته هو استهداف مباشر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهذا يعني خسارة كبيرة للسعودية، ويعني أنها لم تستطع تحقيق شيء، حتى في لبنان، وهذا برأي جعجع يتطلب تواصلاً عاجلاً مع السعودية لاستمرار ضغطها على الحريري كي يبقى على استقالته، لأن عودة الحريري عن الاستقالة ستؤدي إلى أن يخرج حزب الله ليعلن الانتصار ضد السعودية مجدداً. فيما قد تكون هذه التسوية الجديدة، قائمة على أساس تقديم حزب الله لبعض التنازلات، كإعلانه الانسحاب من سوريا والعراق، والدخول في مفاوضات في اليمن.
لكن الشق العملي لهذا الكلام، سيكون عبارة عن تجميع حزب الله لقواته في مناطق معينة في سوريا، ووقف القتال للاستثمار بالوقت، وعدم الالتزام كاملاً ببنود التسوية، والعودة عنها بعد تحقيق ما يريد.
وهنا ثمة من يعتبر، أن السعودية قد تكون تعرضت إلى ضربة كبرى، إذا ما تراجعت عن ذلك، وإذا لم تستكمل المسار التصعيدي، أو لم تحقق أي شيء جوهري بعد هذه الخطوات.
نعتقد أن السعودية تراجعت بسبب عدم الدعم الأميركي، وما حصل معها هو نفس الموقف الأميركي في ما يخص الأزمة القطرية، أي أن واشنطن دعمت السعودية في بادئ الأمر لاتخاذ الإجراءات العقابية ضد قطر، وفي ما بعد عادت وتراجعت عن ذلك، وأجرت مناورات مع قطر وباعتها أسلحة.
في مقابل الشكوك في حقيقة الموقف الأميركي، تبقى القوات اللبنانية برئاسة جعجع على رأي مختلف حيال الموقف الأميركي، بناء على زيارة سرية أجراها وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبو عاصي إلى الولايات المتحدة الأميركية، بالتزامن مع زيارة جعجع إلى أستراليا، وقد التقى أبو عاصي الكثير من المسؤولين الأميركيين الذين أكدوا دعمهم للسعودية ومواجهتها مع إيران، وهذا الجو نقله أبو عاصي إلى جعجع وإلى بعض المسؤولين اللبنانيين، لكن هناك من لا يزال خائفاً من هذا التراجع الأميركي.
د. حمد سعيد الشامسي
السفير
14/11/2017