تنحبس الأنفاس بين بيروت وأبيدجان ترقباً لمسار ومصير فعاليات مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي تنظمه وزارة الخارجية والمغتربين للمرة الأولى في ساحل العاج غداً وبعد غد. لم تفلح رسائل التهويل والتهديد التي أرسلها أفراد في الجالية اللبنانية تجاه الوزير جبران باسيل، في ثنيه عن الإصرار على عقد المؤتمر في موعده وحضوره شخصياً، برغم أن تداعيات هجومه على الرئيس نبيه بري، لم تنته في الشارع اللبناني.
القائم بأعمال السفارة اللبنانية في ساحل العاج خليل محمد ومستشار باسيل بشير سركيس المبعوث للإشراف على التحضيرات النهائية وفريق عملهما، يتكتمان على التفاصيل المتعلقة ببرنامج المؤتمر وموعد وصول باسيل إلى أبيدجان وبرنامج زيارته. التكتم يأتي بعد توعد بعض الشبان بالتضييق على الزيارة «بدءاً من تنفيذ تجمع في المطار لاستقباله بالهتافات المنددة به والمؤيدة لبري، وصولاً إلى ملاحقته في فندق إيفوار حيث سيكون مقر إقامته ومكان عقد المؤتمر، ومروراً بتنقلاته المفترضة على المسؤولين العاجيين والسفارة اللبنانية». أوساط السفارة نقلت عن باسيل رفضه لتأجيل المؤتمر أو إلغاء حضوره «حرصاً على صورة الجالية أمام الدولة العاجية، وتقديراً منه لأهمية المؤتمر على المغتربين اقتصادياً واستثمارياً، برغم أن البعض فضّل الحسابات السياسية الضيقة على المصلحة الوطنية العليا للبنانيين في لبنان وخارجه».

«الخارجية» طالبت المغتربين بإبقاء الخلافات السياسية الداخلية بعيدة عنهم


في مقر السفارة بلاتوه خلية نحل لإنجاز المؤتمر كما كان مقرراً قبل انفجار الخلاف بين بري والرئيس ميشال عون. أما خارجها، فالجالية بأكملها منقسمة بين خلية نحل وخلية طوارئ. كالنحل، ينشط شبان على طباعة لافتات كتب عليها شعارات تهاجم باسيل وتناصر بري. وآخرون يعكفون على وضع خطة تحركات تحاصر باسيل وتفشل زيارته. في المقابل، يتمنى معظم لبنانيي ساحل العاج أن يمر اليومان المقبلان على خير في ظل «امتعاض السلطات العاجية من الانقسام اللبناني وانعكاسه على الجالية»، بحسب مصادر مسؤولة في الجالية. وفق المصادر، فقد تعهدت السلطات بـ«فرض إجراءات أمنية مشددة مواكبة لتحرك باسيل من لحظة وصوله من المطار إلى لحظة مغادرته». تلك الإجراءات ستشدد أيضاً عند مدخل مكان عقد المؤتمر «حيث سيُفتَّش الداخلون بدقة».
وأصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً، أمس، أكّدت فيه وصول «مفرزة سبّاقة» منها إلى ساحل العاج، لمساعدة السفارة على التحضير للمؤتمر. وقالت «الخارجية» إن رؤساء البعثات اللبنانية في أفريقيا والوفود المشاركة بدأت بالوصول، مطالبة المغتربين بإبقاء الخلافات السياسية الداخلية بعيدة عنهم. ولفتت الوزارة إلى أنها «تباحثت مع السلطات الايفوارية في الإجراءات الأمنية المواكبة للمؤتمر والتي تعهدت بتأمين كل ما يتطلبه الأمر لتوفير الحماية».
الدولة العاجية ستقوم بواجبها في حماية ضيفها، لكنها في المقابل أدارت ظهرها له. إذ أكدت المصادر أن وزيري الخارجية والمال والاقتصاد اللذين كانا سيحضران المؤتمر ويمثل أحدهما رئيس الجمهورية «خفضا مستوى تمثيلهما إلى أدنى مستوى من خلال إرسال موظفين للحضور». الخفض «جاء بعد التقارير التي أرسلها السفير العاجي في بيروت عن عمق الأزمة المستجدة وانعكاسها على الشارع من جهة وبعد انتشار الشريط المسجل الذي وثق الشجار بين شبان لبنانيين وطاقم السفارة في مقر السفارة قبل أيام من جهة أخرى». الانزعاج العاجي والتخبط اللبناني فرضا غموضاً على برنامج زيارة باسيل طوال اليومين المقبلين. لم يحسم ما إذا كان سيزور مسؤولين رسميين في مقدمهم رئيس الجمهورية الحسن واتارا، ولا سيما بعد انسحاب رئيس غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في ساحل العاج جوزف خوري من المؤتمر، وهو الذي وجه الدعوات للمسؤولين العاجيين وكان بصدد ترتيب برنامج الزيارات.
وسط تلهي اللبنانيين بانقسامهم الداخلي، دخل العدو الإسرائيلي على خط المؤتمر. بعد محاولات سابقة ومستمرة للتضييق على مصالح اللبنانيين والتحريض عليهم من قبل إسرائيل وأميركا في دول أفريقيا، وصل الأمر بالعدو إلى اعتبار المؤتمر «تهديداً من قبل حزب الله». المنشور الفرنسي الاستقصائي «لا ليتر دو كونتينان» المخصص للدول الأفريقية الذي يعبّر عن المصالح الأجنية والإسرائيلية في القارة السمراء، نشر مقالاً الثلاثاء بعنوان «ظل حزب الله يزعج الحكومة العاجية». اعتبر المقال أن باسيل الحليف للحزب يمثل ظله في المؤتمر الذي يُخشى من استخدامه لتعزيز الأعمال اللبنانية لتصدير التوترات الخطيرة التي يعاني منها لبنان! واعتبر المقال أن «تأثير حزب الله عبر باسيل يمثل مصدر قلق حقيقي لأبيدجان. ما دفع وزيري الخارجية والمال والاقتصاد إلى مقاطعة المؤتمر».