تتنقل نادين ومروى بين محلات معروفة في «مول» بيروتي ضخم، تدخلان وتخرجان بلا أكياس في أيديهما. تظهران وكأن شيئاً لم يعجبهما. «كتير غالي، بعد العيد بيعملوا sale، بس منجي ناخد فكرة هلأ، ومنرجع بعد رأس السنة»، تقول نادين لأن هذا ما حدث معها السنة الماضية، عندما اشترت فستاناً لسهرة الميلاد ووجدته بنصف سعره في شهر كانون الثاني، فارتأت هذه السنة أن تشتري حاجاتها من ملابس خلال الحسومات التي مضت، وتؤجل ما يمكن تأجيله لوقت لاحق لأن «الأسعار بالعيد نار».
معظم المتجولين هنا لا أكياس في أيديهم، وقد لا يخلو الأمر من كيس سوبرماركت، أو حقيبة خفيفة تم شراؤها على عجل... في حديث مع موظف من أحد المحال، يعترف بأن المتسوقين حفظوا سياساتهم المتبعة بالحفاظ على مستوى معين من الأسعار خلال فترة أعياد الميلاد ــــ رأس السنة ثم إجراء الحسومات في أول أيام السنة الجديدة، بالتالي تعمّدوا شراء مستلزماتهم خلال فترات ماضية، وغيرهم (قليل) لا يقوم بهذه الحسابات ويستسلم للأمر الواقع.
أصبح من البديهي التوجه إلي المول لمراقبة دوران العجلة الاقتصادية بما أنه تحوّل إلى وجهة الناس الأولى، لكن ماذا عن الأسواق المفتوحة؟ هل تشارك المولات واقعها؟

سوق مفتوح والحركة بطيئة

يرحّب فيكم سوق فرن الشباك عند مدخله بلوحة عتيقة، تبدأ بعدها واجهات المحال بالتتالي يميناً وشمالاً، محال بكافة الأشكال والأنواع والواجهات بين ضيقة وواسعة تذكر أسعار البضاعة بأرقام كبيرة تتراوح بين 5000 و30000 ليرة لبنانية، ربما هي محاولة لكسب ود وجيب الزبون خصوصاً أننا في موسم الأعياد.
جوسلين، امرأة في نهاية العقد الرابع من عمرها، تملك محلاً لبيع الملابس الداخلية وملابس النوم منذ أكثر من عشر سنوات. تتحدث عن تراجع في حركة السوق وتُرجع ذلك إلى سببين: اعتماد الناس التوجه إلى الأسماء المشهورة "كرمال البرستيج"، وتنامي الغلاء المعيشي و"ما في عتب" لأننا جيعاً في المأزق نفسه.

تستخدم الكثير من المحال التجارية مواقع التواصل الإجتماعي لمواجهة المولات


مطاعم

ليس ببعيد عن متجر جوسلين، افتُتح مقهى في قلب السوق منذ بضع سنوات. مقهى شبابي، يولي النرجيلة اهتماماً ودلعاً خاصين. يقول الموظف المسؤول عن المقهى عبد العزيز، الملقّب بـ"زيزو" إن المقهى يقدّم نشاطات مختلفة للحصول على اهتمام الزبائن على سبيل المثال يخصص يوم الجمعة لسهرات الـ karaoke ويخصص يوماً آخر لعروض السوشي، ولأيام الآحاد وجبات كاملة بأسعار مدروسة، فضلاً عن تأمين طلبات خارجية ومواكبة زينة المحال لمواسم الأعياد. لا يخفي عبد العزيز إعطاء الأرغيلة اهتماماً خاصاً على أساس أنها عنصر مهم للزبائن الذين يترددون إلى المحال لطعمتها وبسببها تطول جلساتهم، كما أنه لا ينكر أن للناس أذواقاً مختلفة، منهم من يفضل التردد إلى مقهى طابعه فرنسي لاحتساء الشوكولا الساخنة والتقاط صورة جيدة يرفقها بهاشتاغ شائع، إلا أنه مقتنع بأن الطابع العربي الذي تؤمنه "الأرغيلة" والجو الجميل الذي يسعى المقهى لتوفيره يجعله مقصداً للشباب يألفونه مع مرور الوقت. يقاوم المقهى على طريقته الخاصة، ويقدم العروض لإغراء الزبون.

1$

"كانت الناس تجي تكزدر وتستحلي، هلق ما حدا مرتاح" يقولها صاحب محل 1$ مشيراً إلى جنب الطرقات الفارغة، حيث المارون إما يهرولون لدفع النقود المعدنية داخل ماكينات البارك ميتر، وإما يقصدون محلاً على عجل. يستسلم الرجل لفكرة أن الناس ما عادوا على راحتهم، ومن هو مرتاح لتسوّق يقصد "المول" الذي يؤمن لهم ما يريدون، لا أحد يعبأ بحرارة الشمس صيفاً، ولا بالمطر شتاءً، ولا بالبحث عن موقف سيارة: "إذا جاع بياكل، وإذا تعب في محل يقعد، كل المحلات حد بعض"... يتحسّر على زمن كان فيه سوق فرن الشباك أكثر الأسواق شعبية، لكن لا حيلة بيده حيث وضعه القدر بين خطرين: تراجع نسبة المتسوقين بسبب الصعوبات الاقتصادية، وانتشار المولات حيث تحتشد أسماء المتاجر الضخمة.

outlets مرّت من هنا

تلمع بعض الأسماء التجارية العالمية عند أطراف السوق تحت عنوان outlets، في محاولة لمقارنة نشاط المحل عينه بين السوق والمول أوضح لنا موظفو المحال أن الشركة تعتمد هكذا انتشار بشكل يسمح لها بالوصول إلى كافة الزبائن، ممن لا يرتادون المولات، وممن يبحثون عن سعر أقل للقطعة، كما يؤكدون أن حركة البيع في السوق المفتوح أكبر من تلك الموجودة في المجمعات التجارية، ويرجعون ذلك إلى أن من يرتاد المول منهم من يبحث عن "كزدورة" ومنهم من ينتظر فترة الحسومات. المول ليس حركة بيع وشراء فحسب، بل هو يميل في كثير من الأحيان إلى أن يكون "شم هوا" أو أغلب المارين ليسوا بشارّين.

مواقع التواصل الاجتماعي

تعتمد الكثير من المحال التجارية على رد فعل مقاوم من خلال إنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك وإنستغرام غالباً) لنشر صور عن منتجاتهم، وعن الحسومات والعروض التي تُقدّم. هذه الصفحات تقلب الميزان فترجح كفة المحل الرابحة، بحيث تسمح بالتفاعل بين الزبون والتاجر، وفتح باب السين-جين، كما أن بعض الصفحات تؤمن توصيل الطلبات والتواصل عبر الواتسآب: أي لون تفضلون؟ الاستفسار عن المقاس/ سبُل التوصيل/ وغيرها من التفاصيل، كلّها تؤمَّن.
هذه الاستراتيجية تسمح للتاجر المحلي الدخول من الباب العريض على حياة الناس ونشاطاتهم في التسوق والشراء، من وراء شاشة هاتفهم، وربما استعمال الـ tag لطلب رأي صديق ما يوسّع من مجال انتشار اسم المتجر ورفع أسهم ربحه.
كثيرون منهم، أولئك الذين يمرون بجانب الواجهات الزجاجية يلقون نظرة ويتابعون مسيرهم. كذلك كثيرون من أولئك الذي ينتظرون رسالة نصية تبلغهم بوجود حسومات لمدة محدودة فيسرعون لانتقاء ما يرغبون به. السوق، مغلقاً كان أم مفتوحاً، أصبح تحدياً يسعى اللبناني لاقتناص أفضل الفرص منه دون أن يهلكه وضعه الاقتصادي المتردي.