الكلام على صفقات وسمسرات تجري في قطاع التعليم المهني والتقني الرسمي والخاص يكاد يكون الحديث اليومي منذ سنوات للمديرين والأساتذة والموظفين في أروقة المعاهد والمدارس المهنية، لكن يصعب في أحيان كثيرة امتلاك مستندات ووثائق تدعم هذا الكلام وتفضح المخالفات القانونية.
فالمديرية العامة، بحسب مصادر إدارية مواكبة لأحوال القطاع، لديها القدرة على إصدار فتاوى قانونية في أي ملف تربوي أو إداري.

فضيحة فقدان معدّات لوزارة الصحة

لكن ما يطفو على السطح قبيل اقتراب موعد خروج المدير العام أحمد دياب في 19 كانون الأول المقبل إلى التقاعد، يعطي بعض الإشارات، منها فقدان معدات وتجهيزات طبية باهظة الثمن قدرت بملايين الدولارات تعود لوزارة الصحة العامة، بعد إيداعها في مخازن معهدين مهنيين في الجنوب بالتنسيق مع دياب، في آخر أيام ولاية وزير الصحة آنذاك علي حسن خليل في عام 2013. يومها، حضرت لجنة من وزارة الصحة لتأكيد استلام المعدات من البائع ودفع ثمنها.
في التفاصيل التي ترويها مصادر إدارية أنّه في أيار الماضي، طلب المدير العام من مدير أحد المعهدين المذكورين إخراج المعدات من المخازن. إلا أن مدير المعهد، بحسب المصادر، رفض هذا الطلب الشفهي بسبب ما قد يترتب عليه شخصياً من مسؤولية إذا فقدت المعدات، وطلب من المدير العام تزويده بكتاب خطي بهذا الخصوص. لكن ما حصل أن المدير نُقل إلى معهد آخر، وجرى استبداله بمديرة جديدة تبدي تعاوناً أكثر في هذه المسألة. وهذا ما حصل. وكان المدير السابق قد أصر على وجوب إجراء اجتماع التسليم والتسلم بإشراف اللجنة المكلفة في مبنى المعهد المذكور، وليس في مبنى المديرية في الدكوانة ليتسنى لأعضاء اللجنة إجراء الجردة على أرض الواقع وعدم الاكتفاء فقط بجداول وبيانات لا يمكن التأكد من صحتها أو مطابقتها الفعلية. وعندما رفض الطلب، دوّن المدير السابق تحفظه على صفحات المحضر ولم يوقع الصفحة الأخيرة. وقد تبين في ما بعد أنّه جرى تحوير في نص البند الرابع من المحضر، ففي النص الأول ورد أن المدير السابق لم يتقدم بجردة تبين موجودات المعهد كونه لم يستطع الذهاب إلى حرم المعهد لأسباب خاصة، فتعذر على اللجنة التحقق من المطابقة. وكان المدير قد أصر على عدم جواز التوقيع على الجردة بعيداً عن المعهد ومن دون التحقق منها بحضور أعضاء لجنة الإشراف على التسليم والتسلم التي شكلها دياب، ولا سيما أن هناك أسباباً أمنية حالت دون تمكينه من إعداد جداول مفصلة بالمعدات والموجودات قبل مغادرته المعهد (كما هو ثابت في إفادة المغادرة الموقعة من المديرة المكلفة). وهنا تشير المصادر إلى أن الأسباب الأمنية تتعلق بدخول مجموعة أشخاص حزبيين إلى المعهد والعبث بالمستودعات.

حظي دياب بنحو
129 مليوناً و226 ألف ليرة كتعويضات
للجان الامتحانات


وقد استكمل الاجتماع من دون المدير السابق ولم يتسنّ له التوقيع على الصفحة الأخيرة من المحضر وتم تغيير مضمون البند 4 والاكتفاء بالتدوين «بأن المديرة الجديدة للمعهد تسلمت التجهيزات على مختلف أنواعها وفقاً لجردات معدة وموقعة من أمين الصندوق ورئيس الدروس التطبيقية ورئيسة مختبر المعلوماتية وأحد المتعاقدين، من دون أن يذكر في المحضر ما إذا كان رئيس اللجنة والأعضاء المكلفون مهمة التسليم والتسلم قد اطلعوا على جداول الجردة التي صرحت المديرة الجديدة بأنها تسلمت المعدات والتجهيزات استناداً إليها.
المفارقة أن قرار تكليف المديرة الجديدة بمهمات المدير السابق حصل بعد إعفاء الأول في شهر أيار، ومن ثم صدر قرار آخر في نهاية العطلة الصيفية بإعادة نقل هذه المديرة إلى مركز آخر قبل بداية العام الحالي، ما يطرح أسئلة كثيرة؛ منها: هل اكتشفت الجهة التي نقلت المديرة إلى المعهد أيضاً سوء إدارتها، فبادرت إلى إعادة نقلها، أم أن الغاية من تكليفها الإدارة بعد التخلص من المدير السابق كانت من أجل تحقيق هدف وحيد ومهم يتمثل في الموافقة والإشراف على إخراج المعدات والتجهيزات الطبية الغالية الثمن من مخازن المعهد إلى جهة مجهولة من دون أن تطرح أي أسئلة أو تبدي أي اعتراض؟
اللافت أيضاً أن يجري في الوقت نفسه إعفاء الناظر في المعهد من مهماته وتعيين ناظرة جديدة بدلاً منه، كونه مسؤولاً عن التجهيزات والمعدات ولا يمكن إخراج أيّ منها من دون موافقته. وبعد الانتهاء من تحقيق المهمة، تم إبدال المديرة الجديدة بالناظرة الجديدة، وهذه المفاجأة الثالثة. كل ذلك حصل خلال العطلة الصيفية.

تعويضات خيالية للجان الامتحانات

ومن التسريبات أيضاً، إعطاء تعويضات خيالية لرئيس وأعضاء اللجنتين الفاحصتين في الامتحانات الرسمية المهنية للدورة الأولى في 2017. هي المرة الأولى التي يوزع فيها المدير العام المهمات المتعلقة بالامتحانات الرسمية، بحسب الشهادات المعطاة، على لجنتين علييين تضم كل منهما 15 عضواً بدلاً من لجنة واحدة كانت تهتم في العادة بكل الشهادات، بهدف مضاعفة التعويضات.
ففي 25 أيلول الماضي، وقّع وزير التربية مروان حمادة قرارين حملا الرقم 184 و185 لإعطاء التعويضات لأعضاء اللجنتين اللتين يرأسهما دياب، إذ إنّ الأولى تعنى بشهادات الإجازة الفنية والامتياز الفني والمشرف المهني، وتهتم الثانية بشهادات البكالوريا المهنية والثانوية المهنية والتأهيلية الفنية التحضيرية والتكميلية المهنية. ففي القانون، ينال المدير العام ضعفي أعلى تعويض ناله رئيس لجنة التصحيح، وفي هذه الحالة حظي دياب في القرار الأول بـ 49 مليوناً و842 ألف ليرة لبنانية، وفي القرار الثاني بـ 79 مليوناً و384 ألف ليرة، أي ما مجموعه 129 مليوناً و226 ألف ليرة لبنانية للدورة الأولى فقط، فيما نال نائب الرئيس في اللجنتين جوزيف يونس ما مجموعه 97 مليوناً و380 ألف ليرة. يذكر أن هناك 7 أسماء تكررت في اللجنتين وتراوحت التعويضات بين 19 مليون ليرة و130 مليوناً. وسيستفيد أعضاء اللجنتين أنفسهم من تعويضات الدورة الثانية. وإذا ما احتسبنا أن الراتب الشهري لكل منهم لا يتجاوز 4 ملايين ليرة، فمعنى ذلك أن مجموع رواتبهم لا يتعدى 48 مليون ليرة، في حين أنهم يحصلون على تعويضات خيالية في شهر واحد.
تضيف المصادر أن دياب مطالب بأخذ إجازاته الإدارية قبل خروجه إلى التقاعد، بحسب البند 4 من المادة 35 من المرسوم الاشتراعي 112/1969 (نظام الموظفين) التي تنص على الآتي: «لا يسري مفعول الصرف من الخدمة أو الإحالة إلى التقاعد إلا بعد انتهاء مدة الإجازات الإدارية التي يستحقها الموظف». وتقول المصادر إن لدى دياب 60 يوماً إجازة لم يأخذها، ولو احتسبنا المدة لكان عليه أن ينهي خدماته قبل أيام قليلة. دياب رفض، بحسب المصادر، وأكد أنّه سيبقى في مكانه من دون تقاضي أي بدل مالي. إلا أنّ المادة 68 من نظام الموظفين تنص في بندها الرابع على: «ينقطع حكماً عن العمل الموظف المنتهية خدمته بسبب بلوغه السن القانونية أو قضائه في الخدمة المدة القانونية. وإذا استمر في العمل لا يترتب له أي أجر أو راتب أو تعويض أو بدل أتعاب عن الخدمات التي يؤديها بعد بلوغه حد السن أو حد المدة القانونية ويتعرض للملاحقة الجزائية». ولما أرسل وزير التربية استشارة إلى مجلس الخدمة المدنية بشأن بقاء دياب في مهماته من دون أن يتقاضى أتعاباً، أتاه الجواب بالرفض. وحتى يوم أمس، كان دياب لا يزال يداوم في المديرية، فيما لا يعرف ما سيكون قرار حمادة في هذا الشأن. لكن يجدر التذكير بالقانون هنا ولا سيما المادة 14 من نظام الموظفين التي تنص في بندها الثاني على الآتي: «أن يخضع الموظف للرئيس المباشر وينفذ أوامره وتعليماته إلا إذا كانت هذه الأوامر والتعليمات مخالفة للقانون بصورة صريحة واضحة. وفي هذه الحالة، على الموظف أن يلفت نظر رئيسه خطياً إلى المخالفة الحاصلة ولا يلزم بتنفيذ هذه الأوامر والتعليمات إلا إذا أكدها الرئيس خطياً، وله أن يرسل نسخاً عن المراسلات الى إدارة التفتيش المركزي».