في 25 آب، أصدرت وكالة التصنيف الدولية «موديز» تقريراً تخفض فيه تصنيف لبنان للدين السيادي الطويل الأمد من B2 إلى B3، وعزت السبب إلى توقعاتها بارتفاع العجز المالي إلى 140% من الناتج المحلي الإجمالي، وإلى صعوبة السيطرة على هذا العجز خلال السنتين 2017 و2018.
لكن الوكالة قرّرت تحسين النظرة المستقبلية للبنان من «سلبيّة» إلى «مستقرّة»، آملة أن يؤدي التوافق السياسي الذي شهده لبنان، منذ انتخاب رئيس للجمهورية، إلى تحقيق المزيد من الإصلاحات المالية التي تعزّز قدرة الحكومة على مواجهة الدين العام والعجز المالي.
لا يعدّ تقرير «موديز» مؤشراً سلبياً طارئاً، إذ إن تصنيف الدين السيادي الطويل الأمد للبنان كان لدى هذه الوكالة أعلى من تصنيفات الوكالات الأخرى، ولا سيما وكالتا «فيتش» و«ستاندر أند بورز» اللتان تضعان الدين السيادي الطويل الأمد للبنان عند مستوى (-B)، وهي درجة موازية لدرجة (B3) لدى «موديز». وهذا المستوى من التصنيف يعدّ الحدّ الفاصل للانتقال إلى مستوى أعلى من المخاطر، ويؤدي إلى ارتفاع كلفة تمويل الدين وصعوبة تمويله. الانتقال من (-B) أو (B3) إلى (+CCC) سيشكّل سقطة سلبية على صعيد قدرة الدولة على السيطرة على العجز المالي والدين العام وتمويله. ولا بدّ من الأخذ في الاعتبار، أن الأرقام والمعطيات التي استندت إليها «موديز» لخفض التصنيف إلى هذا المستوى بالتزامن مع تحسين النظرة المستقبلية من سلبي إلى مستقر، هي أرقام مقدّرة لعام 2017، ولا سيما في ما يتعلق بميزان المدفوعات والتدفقات الرأسمالية والاحتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. فقد طرأت تغيرات على هذه الأرقام بين أيار وحزيران (فترة دراسة موديز)، وبين تموز وآب كانت تستوجب وضع قراءة معايير التصنيف بنحو مختلف.
على أي حال، تتوقع موديز أن يبلغ دين لبنان 140% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ثالث أعلى نسبة سجّلتها التصنيفات السيادية لدى الوكالة. وتشير إلى أن الدين ارتفع كثيراً منذ 2011 إلى اليوم حين كان يبلغ 121%، وهو ما يعكس اتساع العجز المالي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك معايير أخرى تعكس الوضع المتدهور مثل نموّ الحاجات المالية، تسديد الفوائد، نسبة الدين إلى التحصيل، كلها تعكس الوضع المتدهور.

8.4 مليارات دولار عجز
الحساب الجاري أو 18.8%
من مجمل الناتج المحلي

سبب التدهور، في رأي موديز، لا يعود إلى الإصلاحات المالية الأخيرة (إقرار الضرائب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب)، إذ إن هذه الإصلاحات التي أقرها مجلس النواب «لا يمكنها أن تخفض العجز في 2017 و2018 رغم أنها تعدّ عنصراً إيجابياً وهي تعكس إجماعاً بين صانعي القرار». المطلوب، بحسب الوكالة، خطوات إضافية من أجل عكس مسار الدين العام «إن غياب موازنة مقرّة وفق الأصول يواصل كبح الإصلاحات المتعلقة بالدين، علماً أن الاتفاق الأخير على تمرير الموازنة ليس واضحاً وإذا أقرت الموازنة فستكون متأخرة جداً».
وتشير الوكالة إلى أن «العجز الخارجي يتّسع مجدداً». المقصود بذلك هو العجز في الميزان التجاري الذي بلغ 13.6 مليار دولار في 2016 أو ما يعادل 26.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 13.1 مليار دولار أو ما يعادل 25.8% من الناتج في السنة السابقة. ما يكرّس مخاوف الوكالة أن لبنان كان يستفيد من تراجع في أسعار المشتقات النفطية واستمرار في تدفق تحويلات المغتربين من دون أن تتعافى الإيرادات الناتجة من السياحة. ففي النتيجة، سجّل الحساب الجاري عجزاً يبلغ 8.4 مليارات دولار أو ما يعادل 18.8% من الناتج المحلي في 2016 وسيبقى مرتفعاً في 2017، وهناك ضغوطات مستمرة على السلطات لدعم تدفق العملات الأجنبية المطلوبة من أجل دعم العجز الخارجي، وهو أمر يقوم به مصرف لبنان من خلال العمليات الأخيرة (المقصود بها الهندسات المالية التي ينفذها دورياً).
لا تذكر الوكالة كلفة هذه الهندسات، ولا الأثر الذي تتركه على التعامل مع المال العام وإعادة توزيع الثروة، بل تكتفي بالإشارة إلى هذه الهندسات بوصفها القناة الوحيدة لتغذية لبنان بالعملات الأجنبية التي يحتاجها. الوكالة تنظر فقط إلى استمرار هذا النموذج بصرف النظر عن كلفته، وهي تبرّر تحسين النظرة المستقبلية للبنان من سلبي إلى مستقر، بالقول إن «مؤشرات التوافق السياسي التي ظهرت أخيراً تشي بإمكانية تحقيق استقرار أكبر يقدم دعماً للقوة المؤسساتية والنمو في المستقبل. ففي تشرين الأول 2016، وافق المجلس النيابي على انتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور في المنصب منذ أيار 2014، ثم جرى تشكيل الحكومة في كانون الأول 2016، وأقرّ قانون انتخابي جديد في حزيران 2017… ومن نتائج هذا التوافق أن انخفض مستوى الاستقطاب بين الأحزاب السياسية ووضع حدّاً للشلل السياسي الذي قوّض فعالية الحكومة وأدى إلى تأخير متواصل في الإصلاحات، وهو يتيح البدء في تنفيذ إصلاحات تأخرت طويلاً».
لذا، تتوقع «موديز» تسارعاً في وتيرة إقرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، بما في ذلك الإصلاحات في قطاع الطاقة. «هناك دلائل على استعداد الحكومة لإقرار المزيد من الإصلاحات المالية والمزيد من التدابير التي يمكن أن تشكل دعماً للقدرة على تحمل الديون على المدى الطويل. ومن المرجح أيضاً أن يجذب هذا التوافق السياسي دعم المانحين الدوليين».
ومن أسباب تحسين النظرة المستقبلية إلى مستقرة، أن لبنان «أثبت رغبته وقدرته على تسديد الديون في ظل الظروف الضاغطة، علماً بأنه يحافظ على احتياطات كافية. ورغم أن معايير تصنيف الدين ضعيفة وأدت إلى تصنيف الديون السيادية الطويلة الأمد في لبنان عند مستوى B3، إلا أنه تم احتواء مخاطر السيولة». وبحسب الوكالة، فإن التدفقات الخارجية أسهمت في زيادة الاحتياطات وفي دعم سعر صرف الليرة. «احتياطات مصرف لبنان وصلت إلى 40.2 مليار دولار في أيار 2017، بعدما كانت 38.9 ملياراً دولار قبل نحو عام. استدامة وتيرة التدفقات المالية، وخصوصاً تدفقات الودائع بالعملات الأجنبية التي تمدّ المصارف التجارية بالنقد الأجنبي والتي يحملها مصرف لبنان، كافية لتعويض عجز الحساب الجاري».
لكن المشكلة التي تشير إليها الوكالة، أن لبنان «يحتاج إلى تدفق ودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 9 مليارات دولار هذه السنة بهدف الحفاظ على الاستقرار المالي، وهو تلقى بالفعل 5.5 مليارات دولار في النصف الأول من 2017».
إذاً، ما الذي يدفع التصنيف نزولاً أو ارتفاعاً؟ تقول موديز إن تحسين تصنيف لبنان مرتبط بالإصلاحات المالية وأثرها على مسار الدين العام، وخصوصاً لجهة حصول تحسّن كبير في الميزان الخارجي. أما خفض التصنيف، فمرتبط بحصول ضغوطات كبيرة على الاحتياطات بالعملات الأجنبية، بما في ذلك احتمال تراجع تدفق الودائع، الذي يفاقم خطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات، ما يهدد قدرة القطاع المصرفي على مواصلة تمويل الحكومة.