عُرف عن مركز الضمان الاجتماعي في طرابلس أنه الأسوأ على الإطلاق، نظراً إلى البطء الشديد في إنجاز معاملات المضمونين والانتظار في طوابير طويلة لا تنتهي، نتيجة النقص الحاد في الموظفين، أدى ذلك إلى النزول إلى الشارع مراراً وتكراراً وإلى صولات وجولات للنقابات العمالية واتحاداتها وهيئات المجتمع المدني خلال الثلاث سنوات الماضية، أثمرت وضع ملف المركز على نار حامية.
فهل تغيّرت الحال؟
في زيارة لمركز الضمان الاجتماعي في طرابلس، نجد أن طوابير الانتظار اضمحلت عند بعض المنافذ واختفت عند بعضها الآخر، وحدها غرفة الاستعلامات تعج بالمواطنين للاستعلام عن الإجراءات التي تبدو معقدة للكثيرين، يهمس لنا أحدهم «إذا ما كنت مريض ... بس تجي عالضمان بتمرض». لم تكن مشكلته الانتظار، بل «طلاع ونزيل» على حدّ تعبيره، لاضطراره إلى تمرير المعاملة على عدد من الموظفين في طابقين مختلفين بسبب الروتين الإداري. إذن، إن أغلب المعاملات ما زالت تنجز يدوياً، بينما يرى آخر أن المركز انتقل نقلة نوعية على يد مديره الشاب الذي يدور على المكاتب ويعرض مساعدته على المواطنين لتسهيل أمورهم، عكس ما اعتادوه من المديرين في الإدارات العامة.

إنجاز قياسي

يفاخر محمد زكي، مدير مركز الضمان الاجتماعي في طرابلس، بما حققه من إنجاز خلال عام من توليه منصبه قائلاً «حققنا أرقاماً قياسية بخدمة حوالى 50 ألف مضمون و150 ألف مستفيد (بمعدل وسطي 3 مستفيدين لكل مضمون) بواسطة 20 موظفاً فقط، ولا سيما بعد التحاق 13 موظفاً متعاقداً منذ شهر بالمركز وتوزيعهم بالطريقة المناسبة؛ فالمعاملة التي كانت تستغرق سنتين ونصف سنة أصبحت تنجز خلال شهر. لقد أنهينا كافة المعاملات المتراكمة بواقع 500 شيك يومياً و250 موافقة، ونعمل حالياً على إنهاء معاملات شهر 11/ 2016، ولم تعد تستغرق الموافقات المسبقة لدخول المستشفيات سوى ساعة على الأكثر».

سينظم مجلس
الخدمة المدنية بعد رأس السنة مباراة لتعيين 10 إلى 20 موظفاً

ويرجع زكي هذا الإنجاز لموظفيه قائلاً «إن الموظفين تعبوا بالفعل، وكان كل منهم يعمل بدلاً من خمسة موظفين، ولكني متفائل، إذ سينظم مجلس الخدمة المدنية بعد رأس السنة مباراة لتعيين 10 إلى 20 موظفاً خصيصاً لمركز طرابلس، وبذلك سيكون تراكم المعاملات لدينا صفراً، كذلك فإن المناقصة من أجل الانتقال إلى مركز جديد للضمان أوشكت على الانتهاء، وبالتالي سيشعر المضمونون قريباً بالفرق».
يشيد ربيع مراد، رئيس منتدى المخاتير القدامى، بأداء مدير المركز والتقدم المحرز، لكنه لا يوافقه الرأي حول الكفاية في أعداد الموظفين قائلاً «في السبعينيات كان لدينا 85 موظفاً لخدمة 10 آلاف مضمون، وفي عام 2000 تم تحديد الملاك بما يزيد على مئة لتجاوز عدد المضمونين 40 ألفاً. أما الآن، فلا يتجاوز عدد الموظفين الأربعين، فكيف سيتم الحل السحري في ظل شغور 60 في المئة؟ وما هي النسبة المعتمدة في المراكز الأخرى؟ كذلك، فإن المكننة الشاملة لم تطبّق بعد في معاملات الضمان، متسائلاً «لمَ علينا الانتظار أشهراً من أجل إنجاز معاملة، بينما في مراكز أخرى كمركز برج حمود تنجز المعاملات فوراً».

مركز جديد ومكننة أيضاً

يصرّح الدكتور صفوح يكن، رئيس اللقاء الوطني الشمالي، لـ"لأخبار"، إثر لقائه المدير العام للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي وشخصيات سياسية، بأن «أكثر من 50 في المئة من مشاكل الضمان سوف تحل بعد الانتقال إلى المبنى الجديد، وهو يمتاز عن المبنى الحالي باستقلاليته واتساع مساحته (1200 متر مربع) وموقعه الاستراتيجي بين طرابلس والميناء، بجوار مستشفى الحسيني، بعيداً عن ازدحام وسط المدينة، وساحة انتظار السيارات الواسعة الملحقة به، وقد فُضّت مظاريفه يوم 10/11/2016، ومن المتوقع افتتاحه في حزيران2017 بعد تجهيزه، ولقد كُلفت من قبل المالك بمتابعة الملف لاستحضار الخرائط الداخلية لإنجاز التعديلات المطلوبة واستخراج تراخيصها من البلدية».
وعن المكننة إن كانت على طاولة البحث أجاب «سيتم تجهيزه بأحدث الوسائل التقنية، باعتماد تجربة مركز برج حمود، وهي تجربة رائدة استحقت حصولها على شهادة الأيزو للدفع الفوري وتسهيل أمور المواطنين».

مطالب المجتمع المدني

وكان عدد من الهيئات المدنية قد دعا إلى اعتصام الثلاثاء، تجاوباً مع دعوة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، وتبنّياً للمذكرة المرفوعة إلى إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الشاملة لمطالب أضحت مزمنة، ولا سيما ملء الشغور، ودفع أدوية الأمراض السرطانية والمزمنة بنسبة مئة في المئة، والمكننة الشاملة في الضمان الاجتماعي للسرعة في إنجاز المعاملات وضبط الهدر والسرقة ومنع السمسرة.
كذلك طالب الحراك المدني في المنية، في بيان له، بـ«استحداث مكتبين للضمان الاجتماعي في منطقتي المنية والضنية أسوة بباقي المناطق، من شأنه أن يخفف الأعباء عن الأهالي الذين يتكبّدون عناء التنقل الى طرابلس أحياناً وإلى بيروت أحياناً أخرى من أجل تسيير أبسط المعاملات، وهذا ظلم لم يعد مقبولاً إطلاقاً... كذلك فإن مكتبي المنية والضنية سيعملان على تخفيف الضغط عن مركز طرابلس، نظراً إلى كثافة المنتسبين».
شعور أبناء قضاء المنية – الضنية بالظلم لم يأت من فراغ، فالقضاء يضم حوالى 200 ألف مواطن موزعين على 35 بلدة، ولا يوجد فيه مركز واحد، ويتراوح عدد المضمونين منهم بين 5000 و10000 يضطرون إلى الانتقال إلى طرابلس مرات عدة لإنجاز معاملاتهم، بينما هناك مناطق عدة أقل عدداً ومساحة تنعم بأكثر من مركز. والجدير بالذكر أن محافظة عكار التي يزيد عدد سكانها على 165 ألفاً يخدمها مكتب واحد فقط في حلبا، تابع إدارياً لمركز طرابلس.