لا تزال القوى السياسية تتخبّط في الوصول إلى اتفاقات ضرورية لتسيير عجلة الدولة، في ظلّ هاجس أمني كبير قد تعكسه تطوّرات الميدان السوري والعراقي مع توالي هزائم تنظيم «داعش». ومع الانشغالات الحكومية وانهماك القوى السياسية في دراسة قانون الانتخاب الجديد، ترتفع احتمالات إجراء انتخابات فرعية لملء الشواغر في مقعدي طرابلس (علوي وأرثوذكسي) وفي مقعد الرئيس ميشال عون الشاغر في كسروان، تنفيذاً للقانون الذي ينصّ على ضرورة إجراء الانتخابات الفرعية إذا كان موعد الانتخابات المقبلة يتعدّى ستة أشهر من تاريخ الشغور.
وفي معلومات «الأخبار» أن الرؤساء الثلاثة، عون والرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري، فاتحوا وزير الداخلية نهاد المشنوق في الأمر، وطلب اثنان منهما من المشنوق إجراء الانتخابات، فيما بدا الثالث مستفسراً عن الأمر.
إلّا أن الحديث عن الانتخابات الفرعية يفتح الباب أمام نقاشات عديدة، أهمّها أن القانون الجديد لحظ في مواده أنه إذا حصل الشغور، فإن الانتخابات الفرعية تجري على أساس القانون الأكثري في الدائرة الصغرى، أي على أساس القضاء. ويذكر القانون أنه إذا تجاوز الشغور في الدائرة الواحدة مقعدين، فإن الانتخابات تجري على أساس القانون النسبي، وهو ما لا ينطبق على مقعدي طرابلس ولا مقعد كسروان. وبالتالي، فإن وزارة الداخلية تدرس الجوانب القانونية والإجرائية لهذا الامر. وقال الوزير نهاد المشنوق لـ«الأخبار» إن «الوزارة ستقدم خلال الأسبوعين المقبلين إجابات عن التساؤلات في هذا الملف إلى المعنيين، ليجري على أساسها اتخاذ القرار المناسب» لجهة إجراء الانتخابات وتحديد موعدها.

مصادر القوات والمردة تؤكّد أن من المبكر الحديث عن التحالف لكن الخيارات مفتوحة


وعلى الرغم من أن المقعدين الشاغرين في طرابلس، وهما مقعد النائب روبير فاضل الذي قدّم استقالته ومقعد النائب الراحل بدر ونّوس، لا يؤثّران أو يعكسان توزّع القوى في الشارع الطرابلسي، إلّا أن الانتخابات الفرعية قد تتحوّل إلى اختبار عملي بشأن ميزان القوى الجديد في عاصمة الشمال، خصوصاً أن الانتخابات ليست استطلاعاً للرأي يمكن التشكيك فيه، بل هي استفتاء بالصناديق، ونتائجها قد تؤثّر بشكلٍ كبير على مجرى الانتخابات النيابية المقبلة. ويمكن القول إن الانتخابات الفرعية في طرابلس قد تحرج قوى سياسية كبيرة مثل تيار المستقبل أو تريحها، كما أنها قد تظهر الحجم الحقيقي لقوى طامحة مثل الوزير السابق أشرف ريفي.
أمّا في كسروان، ورغم أن أمر وراثة مقعد رئيس الجمهورية محسوم لمصلحة العميد المتقاعد شامل روكز، إلّا أن معركةً جديّة يمكن أن تخاض في القضاء، في حال قرّر خصوم التيار الوطني الحرّ أو حلفاؤه، مثل حزب القوات اللبنانية، إجراء هذا النوع من الاختبار الانتخابي الحي. وباستطاعة القوات في حال توحيد خصوم التيار الوطني الحرّ تحت جناحها، فرض معركة مشابهة لتلك التي تمّ خوضها في انتخابات بلدية جونية، وتكشف هذه المعركة في حال حصولها للتيار والقوات حجم تأثير الطرفين من جديد في القضاء، بما ينسحب على سقف التفاوض بين الفريقين لاحقاً في انتخابات عام 2018.
من جهة ثانية، بدأت وزارة الداخلية العمل على تقرير يتضمّن كل الخيارات والتحديّات التي يحملها قانون الانتخاب الجديد، على أن يتمّ تقديمه للرؤساء والحكومة نهاية شهر تموز، في وقت تمرّ فيه الداخلية في أزمة سببها تقاعد عددٍ كبيرٍ من الموظّفين الذين يملكون الخبرة في إجراء الانتخابات وإدارتها أو يصنّفون في فئة الخبراء. ويعالج تقرير الوزارة الخيارات المتاحة، لا سيّما في مسائل تقنية، مثل البطاقة الممغنطة وإمكانية اعتماد الفرز الإلكتروني، واحتمالات تعرضه للاختراق وسبل حمايته، وما إذا كان هناك قدرة على ربط حوالى 6400 قلم اقتراع بشبكة واحدة، فضلاً عن إمكانية تصويت المقترعين في أماكن سكنهم والآليات المتاحة لذلك. إلّا أن مصادر الداخلية شدّدت على أن تقريرها لن يقدّم قرارات حاسمة، بل سيعرض أمام الرؤساء والحكومة والقوى السياسية الخيارات المتاحة لتتخذ بعدها القرارات المناسبة، والبحث في ما إذا كان هناك من ضرورة لتعديل قانون الانتخاب.
على صعيد آخر، فتحت زيارة نائب رئيس الحكومة، الوزير غسان حاصباني، إلى الشمال أمس، وزيارته منزل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في بنشعي، الحديث عن تطوّرات على صعيد التحالفات في الانتخابات النيابية المقبلة، لا سيّما بين المردة وحزب القوات اللبنانية، في ظلّ إعادة تفعيل العلاقة بين الطرفين. مصادر تيار المردة قالت لـ«الأخبار» إن «الوزير حاصباني نائب رئيس مجلس الوزراء، ومن الطبيعي أن يزور الوزير فرنجية في زغرتا ومن الطبيعي أن نستقبله»، مشيرةً إلى أن «العلاقة بيننا وبين القوات استؤنفت بعد جمود، وهي علاقة إيجابية الآن». وردّاً على سؤال عن إمكان التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة، قالت المصادر إن «من المبكر جدّاً الإجابة عن هذ السؤال، لكن كل الاحتمالات مفتوحة». من جهتها، قالت مصادر القوات اللبنانية لـ«الأخبار» إن «زيارة بنشعي حصلت في سياق جولة استشفائية صحية شمالية وشملت فعاليات عدة من بينها فرنجية، الذي يتم التواصل معه بشكل طبيعي على غرار قوى سياسية أخرى، خصوصاً أن المرحلة الحالية التي بدأت مع العهد الجديد كسرت الجليد وفتحت قنوات التواصل بين معظم القوى السياسية ضمن حدّين: تحييد الملفات الخلافية والتعاون في كل الملفات التي تعنى بشؤون الناس». وقالت المصادر إن «من الخطأ تحميل الزيارة أكثر ممّا تحتمل، ولكن لا شك في أنها تؤدي إلى مزيد من تبريد الأجواء السياسية عشية الانتخابات النيابية، حيث بدأ الحديث عن أن أم المعارك ستكون في دائرة الشمال المسيحية، وبالتالي ما يحصل إشارة الى أن التباينات الانتخابية لن تفسد في الودّ قضية، لأن الجميع يعمل تحت سقف تحصين الاستقرار، ولكن هذا لا ينفي أن التحالفات مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن من المبكر جداً الكلام اعتباراً من اليوم عن التحالفات».
وفي سياق آخر، زار رئيس الجمهورية مقر قيادة قوى الأمن الداخلي أمس في مناسبة العيد الـ156 لقوى الأمن، حيث أكد «أننا الآن سنعيش مرحلة صعبة بعد سقوط التنظيمات الارهابية في سوريا، لأن عناصرها قد تسعى للجوء الى لبنان، وهو أمر يستدعي السهر كثيراً للحؤول دونه»، مثنياً على «جهود وتضحيات قوى الأمن الداخلي وقيامها بواجباتها التي تغطي أنواع العمليات كافة». إلّا أن زيارة رئيس الجمهورية قد تحمل أبعاداً سياسية أخرى، في ظلّ التوتّر القائم بين حركة أمل وقوى الأمن، والذي بدأ على خلفية التعيينات ولاحقاً بعد حجب وزير المال علي حسن خليل المخصصات السرية عن قوى الأمن. وعلمت «الأخبار» أن عون كان سيشارك في الاحتفال الذي أقامته قوى الأمن بمناسبة عيدها قبل نحو أسبوعين، إلّا أن عارضاً صحياً طرأ عليه ونصحه الأطباء بالراحة، ما حال دون مشاركته بالاحتفال.
(الأخبار)