في إحدى غرف منزله الذي تغطي جدرانه رفوف الكتب، يستدير الوزير السابق شربل نحاس على كرسيه ليسحب «المحروس»، فيتبين أنه الدستور اللبناني. كثيرون اليوم يتغنون بتطبيقه ويحوّرون مواده حرصاً على مكاسبهم، فيما يجده نحاس واحداً من أغرب الدساتير في العالم: «مستحي بحالو». فمن جهة، يقول في المادة 22 إن انتخاب مجلس النواب يجري على أساس وطني لا طائفي، ليسارع إلى نقضها في المادة 24، متحججاً بقانون الانتخاب لتشريع تقاسم الطوائف للمقاعد النيابية.
رغم ذلك، ينطلق نحاس من المادتين 7 و9 (اللتين توضحان أن اللبنانيين سواء لدى القانون وأنَّ حرية الاعتقاد مطلقة) في مشروع النظام الانتخابي الذي أعدّته مجموعة «مواطنون ومواطنات في دولة»، التي يتولى الوزير السابق أمانتها العامة. المشروع أشبه بوثيقة وطنية، وقد يشكل خرقاً في زحمة المشاريع المعروفة النتائج والمفصَّلة على قياس زعماء الطوائف. ويفترض تالياً على من ينادي بتطبيق الدستور أخذه في الاعتبار كمخرج جدّي للأزمة الحالية، وكمرحلة شبه انتقالية إلى الدولة المدنية الكاملة.
فعلياً، تدور كل مشاريع القوانين اليوم في الدائرة ذاتها، دائرة تصنيف المواطنين كأعضاء داخل الطوائف وفرض قيود على ترشحهم إلى الانتخابات. أما مشروع نحاس، فيترك الخيار للمواطن تصنيف نفسه بنفسه، إن عبر اقتراعه أو من خلال تحديده لطريقة ترشّحه كمواطن من خارج القيد الطائفي أو وفقاً للواسطة الطائفية. وهنا يتحمل المرشح غير الطائفي كل التبعات القانونية لهذا الخيار، بما فيها الأحوال الشخصية والوظائف العامة. علماً أنَّ نظام الاقتراع يتيح للمواطن حرية اختيار المرشحين الذين يريدهم من بين المتنافسين، على أن يقترع حسب نظام التمثيل المباشر من دون واسطة الطوائف، أو حسب نظام التمثيل الطائفي. ففي بيروت، مثلاً، يكون الخيار بين لائحة من 19 مرشحاً مدنياً ممن شطبوا القيد الطائفي، وبالتالي لا يخضعون للتوزيع الطائفي المحدّد في هذه الدائرة، مقابل لوائح حزبية من 19 مرشحاً تضع المرشح المناسب في الخانة المذهبية المناسبة. وذلك، بحسب نحاس، يحفظ حرية الاعتقاد للمواطن، كما يحفظ هواجس الطوائف، والأهم أنه لا يلغي أحداً ويحفّز المرشح غير الطائفي على الالتفات إلى المواضيع التي تناستها الكتل السياسية مع أنها الأقرب إلى حياة المواطنين اليومية، لا لشيء إلا لأنَّ هذا المرشح لا يتلطى خلف طائفة أو حزب طائفي، فلا يصل إلى البرلمان بالبوسطة، بل يحتاج إلى المرور بالشعب أولاً. ومن شأن ذلك أن يحفز الطائفيين على تعديل خطابهم، فضلاً عن نقل لبنان إلى نظام سياسي علماني متطور في منطقة تعجّ بالأنظمة الدينية الطائفية.
من جهة أخرى، يحفظ المشروع النسب المتساوية بين الطوائف وطريقة توزيعها حتى عند نجاح مرشحين غير طائفيين.

من شأن المشروع أن يحفّز الطائفيين على تعديل خطابهم
فعند الفرز، تحتسب نسبة المقترعين حسب نظام التمثيل المباشر (اللاطائفي)، فتخصص النسبة نفسها من المقاعد في المجلس النيابي للفائزين من المرشحين الذين اختاروا التمثيل المباشر. فمثلاً، إذا بلغت نسبة المقترعين من خارج القيد الطائفي 10% من مجمل عدد المقترعين، يحصل المرشحون على 13 مقعداً من أصل 128. وتوزّع باقي المقاعد على الفائزين من المرشحين الذين اختاروا التمثيل عبر الطوائف مع مراعاة طريقة التوزيع الطائفي ومقاعد الأقليات. يفضّل نحاس اعتماد لبنان دائرة واحدة والنظام النسبي، لأنهما يدفعان باتجاه تعزيز الحياة السياسية الجدية وتركيزها على الخيارات الفعلية المتصلة بمصالح الناس، غير أنَّ دوائر أصغر (المحافظات) وأنظمة أخرى (النسبية مع عدد من الأصوات التفضيلية أو النظام الأكثري مع عدد من الأصوات للناخب الواحد) ممكنة أيضاً، ولا تتعارض مع الطرح الذي يضمن التساوي بين المسيحيين والمسلمين، والنسب بين الطوائف، كذلك التوزيع الجغرافي كما هو معمول به حالياً.
قد تكون مجموعة «مواطنون ومواطنات في دولة»، ممثلة بنحاس، من القلة «الصامدة» من مجموعات «المجتمع المدني». البحث عن إنجازات الآخرين، سياسياً، أبحاثها، دراساتها، وجهة نظرها من الملفات الأساسية، خططها الاجتماعية من سابع المستحيلات؛ كل ما تجده مجرّد شعارات غير واضحة وكلام افتراضي كثير. هؤلاء الذين يزعمون النطق باسم المواطنين، يغيبون ليعودوا عقب الانتخابات للعن المجتمع الطائفي الذي أعاد إنتاج الطبقة نفسها. لم يفعل نحاس ورفاقه ذلك، بل قرروا تقديم مشروع يحترم المواطنين وحقوقهم، كل المواطنين بالتساوي، الطائفيين منهم وغير الطائفيين.




هامش الكذب متاح في كل القوانين

لحظ طرح "مواطنون ومواطنات في دولة"، ضمن آليته، كل التفاصيل التي من الممكن أن تستغل لـ"تأديب" الناخب اللاطائفي، لذلك نصّ على اعتماد صندوق انتخابي واحد داخل قلم الاقتراع للوائح الطائفية واللاطائفية على السواء. الا أن الفارق بين اللوائح يكون في لون الورقة الذي يسهّل عملية الفرز واحصاء نسبة الناخبين على الاساس الطائفي وسواهم؛ فمثلا سيعتمد اللاطائفيون اللون الأخضر للائحتهم فيما يتمثل الطائفيون باللون الرمادي.
ولكن ماذا يمنع حزبا معيّنا من دعوة بعض مرشحيه الى شطب طائفتهم والترشح على اساس لاطائفي ثم الايعاز الى جمهور هذا الحزب بانتخابهم؟ يجيب نحاس: "هامش الكذب وابتكار الالاعيب متاح في كل القوانين الانتخابية حتى في قانون الستين".
ويمكن فعليا لأي مرشح اليوم ادعاء أنه شيوعي فيما أفكاره مستقاة من أقصى اليمين. انما العقاب على ذلك هو "البهدلة" التي ستنكشف عقب انتهاء الانتخابات وانضمام المرشح "اللاطائفي" الى كتلة حزبية طائفية. فضلا عن أن لشطب القيد تداعيات من المستحيل أن يقدم عليها من لا يؤمن بالأمر جدّيا اذ ستحرمه مستقبلا من عدة "امتيازات" طائفية. وعما اذا كان اللاطائفيون هم "الطائفة 19"، ينفي نحاس ذلك نفيا قاطعا مؤكدا أن حصة اللاطائفيين غير محددة ويصعب تحديدها سوى بعد انتهاء الاقتراع فيما منطق الطوائف يقوم على حصص محددة النسب مهما بلغت نسبة المقترعين لها. لكن من المرفوض "الاستمرار بالمنطق الالغائي، فهناك من اللبنانيين من شطبوا طائفتهم ويرغبون بالترشح الى الانتخابات النيابية التي يحرمهم القانون من المشاركة بها اليوم. ويدخل ذلك ضمن "حرية المعتقد" التي يقدّسها الدستور وحق اللبنانيين بالمساواة في الحقوق والواجبات".