الجميعُ يلومني على ما أنا عليه:
الجيرانُ الذين يَنتحبون بحياءٍ على جثامينِ أَحِبّائهم
يلومونني على أنني لا أزالُ مُتَحصِّناً في وكري
أستمعُ إلى الموسيقى، وأَتَنَعَّمُ بحياكةِ التُـرَّهاتِ والقصائد.
الأصحابُ العائدون لتوِّهم مِن الدفن، بثيابهم السوداء وأَعيُنِهم المتَوَرِّمةْ...
فيما أنا لا أزالُ محتاراً بموضعِ إناءِ الوردةِ على الطاولةْ.
الذين لا أعرفُ كيف أُجامِلُ دموعَهم وغصّاتِهم
بدموعٍ وغصّاتٍ حقيقيّةٍ شبيهةٍ بها... يلومونني.
الذين ودَّعوا مَن يحبّون إلى بيوتِ أبَديّتِهم،
فيما أنا أحزنُ لتوديعِ مَن أُحِبّ... إلى قارّاتِ ملاجئهم السعيدةْ.
الذين يَتَحسّرون لأنهم لم يتمكّنوا مِن مُواراةِ كامِلِ لحومِ وعظامِ قتلاهم...
فيما أنا أَتَحَسّرُ لفقدانِ وُرَيقةٍ، أو قلمٍ؛ أو لأنني سهوتُ عن تدوينِ فكرةْ.
الأمُّ ( أمُّ الولدِ المخطوف) التي تُصلّي شرقاً وغرباً
راجيةً من الآلهةِ أنْ يظلَّ ابنُها مفقوداً إلى الأبد
ولا يَتَعرّفَ أحدٌ إلى جثّتِه.
والآخَرُ، والأخرى، والآخرون جميعاً...
يلومونني
لأني لا أزالُ أتوهّمُ أنّ هذه الرقعةَ المهَدَّدةَ مِن الحياة (الرقعةَ المتاخمةَ للقبر) لا تزالُ تخصّني؛ وأبذلُ وُسعَ شجاعتي ويأسي لأتَدَبَّر أمرَ إقامتي فيها.
الجميعُ يلومونني، ولهم كاملُ الحقّ.
يلومونني على أنني أوقَعتُ الحربْ.
يلومونني على أنني لم أُعَجِّل بالانتصارِ في الحربْ.
يلومونني على أنني لا أستطيعُ إيقافَ الحربْ.
: يلومونني على «الحربْ».
يلومونني، ولهم كاملُ الحقّ.
أمّا أنا فلا ألومُ أحداً (ليس لديّ ما ألومُ أحداً عليه).
أحزنُ لأجلِ الجميع. وأتَفَهّمُ آلامَ الجميع. ويوجعني عذابُ الجميع. لكنْ, لا ألومُ أحداً...
لأنني أعرفُ أنّ الحزنَ والتَوَجُّعَ لا يَـفِيانِ بأيِّ غرض, ولا يُداويان دمعةً أصيلةً واحدةْ.
كلُّ ما أستطيعُ أنْ أفعله وأنا أشهدُ آلامَهم
أنْ أرفعَ يديَّ هكذا... مُتَوسِّلاً إلى إلهِ نفسي،
وأقولَ له:
أرجوكَ؛ لا تُدخِلْني في التجربةْ!
22/1/2016