افتتحت سينما «أمبير» فرعاً جديداً لها في مجمّع «النبطية مول» التجاري. هواة السينما في المدينة الجنوبية وجوارها سيحظون بمشاهدة الأفلام العربية والأجنبية التي تعرضها «أمبير» في فروعها الأخرى. دشنت هذه السينما عروضها بعرض مجاني لفيلم نجم آراب آيدول محمد عساف «يا طير الطاير» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد. هكذا، تكون «أمبير» قد عادت إلى النبطية بعد عقود. عام 1944، أخذت «أمبير» مكان سينما «روكسي»، أوّل سينما في المدينة التي افتتحها قبل عام ابن المدينة أديب جابر ونجله حسيب اللذين حملا اختراع السينما من بيروت. اختارا خاناً تراثياً مهجوراً لآل نحلة، استخدم إسطبلاً للحيوانات في قلب المدينة حيث يقع حالياً السوق التجاري. نظفاه وجهزاه ووضعا فيه شاشة وكراسي من الخيزران، وحوّلاه إلى سينما «روكسي».
لكن استثمارهما التجاري لم يدم سوى سنة. حسن ويوسف الخليل وشفيق طه استثمرا «روكسي» وحوّلاها إلى «أمبير» التي فتحت أبوابها حتى عام 1952، ثم تعدّدت دور السينما في السنوات اللاحقة.
يستعرض الباحث علي مزرعاني في كتابه «النبطية ذاكرة الزمان والمكان» افتتاح سينما الـ «كابيتول» عام 1957 على يد علي حسين الصباح وصمدت حتى بداية الحرب الأهلية. ثم افتتح أبو أمين سينما في شارع حسن كامل الصباح استمرت لعام واحد. عادل الصباح افتتح سينما «ريفولي» عام 1961 التي بدأت تتعثر مع تدهور الأوضاع الأمنية إلى أن أقفلتها قذيفة إسرائيلية عام 1980. يربط مزرعاني بعض أسباب تلاشي التجربة السينمائية في المدينة بالأحداث الأمنية التي فرضت نوعاً من حظر التجوال ليلاً، تزامن مع انتشار ظاهرة أجهزة الفيديو وازدهار محال بيع وتأجير الأفلام.
بعد أكثر من 34 عاماً، عادت الشاشة الذهبية إلى النبطية، لكن متى يعود العصر الذهبي للسينما في المدينة حيث كانت صالاتها عبارة عن سينمات، ومسارح، ومنتديات فنية وثقافية، ومنابر نضالية وحزبية وعمالية؟
منذ أواخر الثمانينيات، يسود الانطباع عن النبطية بأنهّا «مدينة الحسين»، بعد أن باتت مرتكزاً دينياً واجتماعياً واقتصادياً لأكبر مراسم إحياء مناسبة عاشوراء. وشنت حملة انتقاد واسعة ضد قواها السياسية النافذة بعد قرار إقفال محال بيع المشروبات الروحية وتهديد أصحابها. في حين أنّ الانطباع السابق عن النبطية كان مرتبطاً بتعدد المنتديات الثقافية ودور السينما التي لم تعرض أفلاماً فحسب. عادل الصباح صاحب سينما «ريفولي» استفاد من قرابته بأصحاب شركة «الصباح للإنتاج الفني». استقطب أبرز الأفلام العربية في حينه. لكنه استفاد أيضاً من كونه ناشطاً يسارياً. فتح الصالة للمسرحيات (شوشو ودريد لحام...)، وللحفلات الموسيقية والغنائية (مارسيل خليفة...)، والمهرجانات العمالية والحزبية والسياسية (كمال جنبلاط ومعروف سعد...)، والأمسيات الشعرية (محود درويش وسميح القاسم ومحمد الفيتوري...). كما روّج لهواية متابعة مباريات المصارعة الحرة، بعدما نظم مباريات حية على حلبة مسرحه. «ريفولي» وأخواتها، عوّضت حينها عن غياب الجمعيات والأندية الثقافية.
رئيس بلدية النبطية أحمد كحيل شارك في افتتاح «أمبير» بحلتها الحديثة. قبل ذلك، حاولت البلدية المحسوبة على حزب الله كسر الصورة النمطية الملتزمة للمدينة. أطلقت في المكتبة العامة برنامجاً لتعليم الموسيقى. بالتزامن، تعمل فرق تمثيلية على نفض الغبار عن سينما «ستارز» (افتتحها ابن المدينة محمد الزيون فران وصمدت لثلاث سنوات قبل أن تتوقف عند بداية الحرب)، لتحويلها إلى مسرح يعرض أفلاماً ومسرحيات حية. خطوة لا تزال في طور التحضير. حتى ذلك الحين، هل تستعيد المدينة الأسباب التي جعلتها منبراً ثقافياً وفنياً بعد اندحار الاحتلال واستتباب السلم الأهلي؟