تُشغِلُني المقارنة بين ما نعيشه اليوم وما عشناه (أبناء وبنات جيلي) في عام 1982. مراحلُ من أصعب ما يمكن أن يمرَّ بها الإنسان، هذا إذا كان يعنيه ما يدورُ حولَه. ذكّرَني الصديق غسان أبو ستّة حول المقارنة، أنّ العدوّ في عام 1982 لم يستهدف قيادات المقاومة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة، فيما خطّة العدو الحاليّة تعتمدُ (عن سابق تصوّرٍ وتصميم) قَتْلَ قيادات «حزب الله» و«حماس». من هنا فإنّ الالتزام التنظيمي بـ «حماس» و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» أصعب بكثير من الالتزام بأحزاب الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة (هذا لا يعني أنّ سلطات الدولة لم تكن تقمع الأحزاب اليساريّة والقوميّة، ومعاناة الحزب القومي السوري لم تُروَ). هذه الحرب شهدت تركيزاً مكثّفاً من قِبل العدوّ على قَتْلِ كلّ قادة «حماس» والحزب، في لبنان وفلسطين أو في سوريا وإيران. في صيف 1982، لم يركِّز العدوّ على قَتْلِ قيادات الحركة الوطنيّة أو المقاومة الفلسطينيّة. الوحيد الذي كان هدفاً للعدوّ هو ياسر عرفات، وكان العدوّ لا يتورّع عن تهديم مبنى سكني بكامله بكميّة هائلة من المتفجّرات (لكنها أقلّ من الكميّات الهائلة التي يستعملها في قصف الضاحية في هذه الحرب) فقط للاشتباه بأنّ عرفات كان فيه. وكان عرفات بمجرّد أن يدخل إلى مبنى ويتعرّف عليه السكّان، يضطرّ إلى المغادرة فوراً، لخوفهم من الاشتباه أنّ عميلاً إسرائيليّاً سيُخبر العدوّ بمكان وجوده (أحد حرّاس عرفات أُعدم بسبب إثبات عمالته). وحتى في التفجير الذي استهدف مرآب وزارة السياحة، كان الهدف هو عرفات، مع أنّه كان هناك مجتمعون آخرون، لبنانيّون وفلسطينيّون. العدوّ يريد في هذه الحرب إزالة قيادة حركات المقاومة بالكامل، الواحد تلوَ الآخر. هو لم يرَ الخطر نفسَه في قيادات المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنيّة آنذاك؟ لكنّ العدوّ قتل كثيرين من قادة المقاومة الفلسطينيّة عبر السنوات، ومن كلّ التنظيمات الفلسطينيّة. ويختلط الأمر لأنّ التقاتل بين أبناء التنظيمات الواحدة كان مستعِراً، فكُنّا لا نعرف إذا كان القاتل هو إسرائيل أو لا (طبعاً، دخلت إسرائيل على التنظيمات مثل «أبو نضال» كي تصيب أهدافها).