على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

مات الكاتب المسرحيّ فيصل فرحات. مات بائع العلكة في سنوات الطفولة. مات الذي لم يكن يريد له والده أن يدرس، فكان يعثر على كتب مرميّة في أكوام نفايات ويقرأ ويكتب. مات فيصل الذي مشى على قدميه الصغيرتيْن في كل شوارع بيروت. مات ولم يحقّق أحلامه الكبيرة في المسرح والكتابة لأنّ همّ القوت رافقه طيلة حياته. المخرج المسرحي، جلال خوري، غيّر حياة فيصل فرحات. أصبح أباه وأمّه، وأدخله عائلته. انضم فيصل إلى الحزب الشيوعي لكنّه بقي ينفر من السمات الطبقيّة للقيادة. كان يقول: أنا الكادح الحقيقي، لا هؤلاء الناطقون باسم البروليتاريا. هاجر إلى أميركا في عام 1983، والتقينا في واشنطن. عمل في غسل الصحون في مطعم وكان يعمل ساعات مُضنية. بقي يكتب ويقرأ ويتعلّم الإنكليزيّة ويُقلّد لكنة الأميركيّين. أحلامه الكبيرة لم تخبُ، لكن سمة الحزن والتعب رافقته. روى في كتبه عن سنوات الشقاء التي عاشها وكنت قد سمعتُها منه وهو يرويها بألم وسخرية. الذي يؤمن بعدالة إلهيّة لم يسمع قصة حياة فيصل فرحات، ولم يقرأ سرديّتها. الصداقة كانت صعبة مع فيصل فرحات: كان يعرض خدمات حتى على أصدقائه، لا بل يلحّ في ذلك. مات صديقنا جواد الخال قبله، وكان قريباً من فيصل في سنوات واشنطن. بعض المراثي عن فيصل فرحات ذكرت أنه كان يعاني العوَز في سنواته الأخيرة. فيصل عانى العوز في كل سنوات حياته. ضحكته الساخرة لم تكن تخفي ألم سنوات الطفولة التي رافقته. لو كنتُ أؤمن بالتواصل بين الأموات والأحياء، لأرسلتُ إلى فيصل أشكره على طبق من حساء العدس جلبه لي بعد نهار عمل طويل له، لأنه سمعَ أنّني كنتُ متوعّكاً. كان يحمل دفاتر مثل تلميذ المدرسة الذي تعلّق بمدرسة حُرمَ منها. اصنعوا نعشه من خشبة مسرح.

0 تعليق

التعليقات