رحلت عالمة النفس وﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴّﺔ يولاند نوفل (1949 ــ 2023) عن عمر 74 عاماً. شخصية أكاديمية وعلمية وفنية، تركت بصمات في قسم علم النفس في كلية التربية، وفي مجالَي الطب النفسي العيادي والفن التشكيلي، وكرست حياتها لخدمة بلدها على مستوى التربية. كانت من خيرة الباحثات في علوم التربية وبرامجها ومن أبرز مؤسسي «الجمعية اللبنانية للتربية الفنية».غالباً ما تكون الأعمال ذات المذهب «الساذج» (naïf) مفصّلة جداً، وثمّة اتجاه نحو استخدام الألوان الزاهية والمشبعة لديها بدلاً من الخلطات والنغمات الأكثر دقة، فضلاً عن غياب ملفت للمنظور، ما يخلق الوهم بأنّ الأشكال مثبتة في الفضاء، ويؤدي إلى أنّ الأشكال في اللوحات (الساذجة) غالباً ما تكون «عائمة».
تعاملت نوفل مع الرسم من زاوية العودة إلى الينابيع والشفافية وخروجها إلى الفانتازيا نحو الأحلام الطائرة. أسلوبها في الرسم مميّز يعتمد الخرافة والسفر عبر الأحلام. أعمالها صفحات من حياة هانئة، حيث تتداخل الأفكار مع الرموز والإشارات التي تقول الكثير، في أمكنة متعدّدة وفي مناسبات مختلفة. لم تعبّر أبداً عن الحزن والقلق والوحدة، بل اكتفت بالسرد التشكيلي للهيئات البشرية أو الحيوانية أو النباتية، وأدخلتها إلى عالم الطفولة حيث لا بؤس ولا فقر ولا تعقيدات نفسية ولا تجارب عاطفية حادّة.
أكثر الأمثلة تكراراً للفن الساذج هي في أعمال الفنان الفرنسي هنري روسو، الذي تحظى لوحاته ومشاهد الغابة والنباتات الغريبة بإعجاب على نطاق واسع. تنقل لوحات روسو، مثل العديد من اللوحات الأخرى من هذا النوع، إحساساً بالحركة المجمدة والمساحة العميقة والهادئة، وتظهر الأشكال دائماً إمّا بوجه كامل أو بشكل صارم إلى حد ما (نادراً ما يخفي الرسام الساذج جزءاً كبيراً من الوجه وتقريباً لا يصوّر أبداً شخصية كاملة من الخلف). مثل العديد من الرسامين والنحاتين الساذجين، يبرز روسو شدّته وشغفه من خلال شخصياته ــ وبخاصة العينين المحدقتين ــ ودقة الخط واللون.


حنين الألوان ملأ لوحات الفنانة الراحلة مبتعدة بذلك عن الحزن العميق ببهجة الحركة واللون، للتعرّف ببساطة إلى طفولتنا الماضية حاضراً، والشعور بالحياة وبهجتها، وما تجسّده قوّة الألوان من أحاسيس تفيض بالذكريات. فاللون في لوحاتها كالحنين إلى الماضي بإيماءات لونيّة تمثّل وجودنا وعالمنا الحسي والمادي، مع استثنائية إيقاعات الألوان القوية من حيث النغمة، وما تخفيه حركة اللون من انطباعات طفولية ذات نضارة حياتية تغمرها العاطفة والحدائق الغناء، وبشاعرية تغوص في ذكريات الماضي والحاضر ووهم الغياب أو وهم الواقع الذي تصوره في لوحاتها بسذاجة لتنفيه، وتترك لبراءة الطفولة مشاكساتها اللونية التي تنضح بجمالية فنية ذات تقنية تحمل في طياتها معالم الماضي الطفولي، والحاضر والمستقبل.
يولاند نوفل من مواليد بيروت عام 1949، نالت دكتوراه في علم النفس بامتياز من «جامعة الروح القدس» في الكسليك، وإجازة في علم النفس العيادي من «جامعة ليون الثانية» في فرنسا، ودبلوماً في علم النفس الفيزيولوجي من «جامعة كلود برنار» في ليون، ودبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير من «الجامعة اللبنانية». كانت باحثة في «مركز البحث والتطوير التربوي» وأستاذة في «جامعة الروح القدس» وفي كلية التربية في «الجامعة اللبنانية»، ومستشارة أطروحة الماجستير في كلية العلوم التربوية في «جامعة القديس يوسف». كما أنّها معالجة بالفن في مستشفى الطب النفسي «لاكروا» في لبنان. أقامت العديد من المعارض المنفردة بين بيروت وباريس، كما شاركت في معارض جماعية في لبنان والسويد وفرنسا.
وقد نعت «جمعية الفنانين للرسم والنحت» الراحلة، ذات السيرة الفنّية الحافلة بالعطاء والإبداع.