على بالي

  • 0
  • ض
  • ض

ماتَ أحمد الخطيب كما عاش، بصمت وتواضع. كان أحمد الخطيب من قيادات العمل القومي العربي على مدى عقود متوالية منذ الخمسينيّات. تزاملَ مع جورج حبش ووديع حدّاد في الجامعة الأميركيّة في بيروت وتأثّر بهما كثيراً. عاد إلى الكويت لممارسة مهنة الطب، وكان يقتطع مبلغاً من مرتّبه الشهري ليرسله إلى حركة القوميّين العرب (وفي ما بعد إلى الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين). بقيت أواصر الصداقة بينه وبين حبش عبر السنوات، وكانت صحافة الجبهة شديدة الاعتزاز به. الصحافة الخليجيّة العربيّة ذكرت أحمد الخطيب ورثته صحف آل سعود لكنّها أغفلت حقائق عنه. صحيح أنّ الخطيب كان نائباً ونافذاً وقيادياً، لكنّه تعرّض للسجن والملاحقة أكثر من مرّة في تاريخه. لم يكن العمل القومي العربي مرغوباً في الخليج، في الزمن الناصري، والعروبة المقبولة حاليّاً في الخليج ليست إلا قناعاً لستر التحالف مع الصهيونيّة ومقارعة كلّ حركات مقاومة إسرائيل. كان صدّام حسين يعوّل عليه في آب 1990، عندما احتلّ الكويت. ظنّ صدّام أنّ الخطيب سيقبل باسم القوميّة العربيّة بأن يتعاون معه. لكنّ الخطيب (بالاشتراك مع جاسم القطامي) أصدر بياناً عنيفاً ضدّ غزو الكويت. والزمن القومي بعد عبد الناصر أصابه الهزال وتعزّزت القوميّة القطريّة وأصابت حتى عتاة القوميّين. الدولة القطريّة أثبتت قدرتها على البقاء وعلى إقناع الشعب بجدواها (أنا لم أكن أحلم أن يقتنع قوميّون وشيوعيّون بجدوى الكيانيّة اللبنانيّة مثلاً). مَنْ عرف مناضلين شيوعيّين وقوميّين في الخليج كان يُعجب بصلابتهم وعزيمتهم. هؤلاء كانوا يعملون في ظروف صعبة جداً ولم يكن هناك مجال للاسترخاء. لم يصمد في النضال هناك إلّا أشخاص من شكيمة حديديّة. وكانوا ــــ خلافاً لمناضلي مقاهي بيروت في زمن ما قبل الحرب ـــ لا يريدون لفت النظر إلى أنفسهم لأنّهم كانوا ملاحقين من أجهزة المخابرات. هناك تاريخ من العمل التقدّمي والشيوعي العربي في الخليج لم تُكتب سيرته بعد. محمد السديري، الأكاديمي السعودي الشاب، واحد من قلّة يعملون على تأريخ المرحلة، كما أنّ عبد الرزاق التكريتي كتب عن ثورة ظفار. أحمد الخطيب هو الزمن الواعد ــــ والسحيق.

0 تعليق

التعليقات