بعد معاناة مع المرض، توقّف القلب الكبير الذي لطالما أسعد الملايين. رحل الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا (1939 ــ 2017 الصورة)، يوم الجمعة الماضي، إثر تعرضه لنوبة قلبية في أحد مستشفيات لندن. «وكالة الأنباء الكويتية» كانت أوّل من أعلن النبأ، قبل أن ينعيه وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الإعلام بالوكالة محمد عبد الله المبارك الصباح في بيان جاء فيه أنّ الراحل «حمل من خلال أعماله هموم الشارع العربي والخليجي بشكل خاص في أزمنة مختلفة...
تمكّن من ملامسة قلوب الجمهور عبر بساطة الطرح وعفوية الأداء، ما أكسبه شهرة واسعة على المستويين الخليجي والعربي». وتزامن ذلك مع توقّف التلفزيون الكويتي عن تقديم البرامج الترفيهية، فيما خصّص البث لإعادة عرض مشاهد من أعمال الفنان الكبير.
هناك في العاصمة البريطانية التي كانت عنوان أوّل مسرحياته الكوميدية الناجحة «باي باي لندن»، قال «أيقونة الدراما الخليجية» وداعاً لجمهوره العريض الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً تويتر، في وداع أحد عمالقة الفن الخليجي، ومؤسس الحركة المسرحية في الكويت.
من موظف في الدوائر الرسمية، وتحديداً في مجال الطباعة، إلى أحد روّاد الفن في الكويت. تعود بدايات صاحب الأداء التلقائي والنكتة الظريفة إلى ستينيات القرن الماضي، حين شارك في أول عمل مسرحي بالعربية الفصحى تحت عنوان «صقر قريش» عام 1961. أسهم بشكل كبير في تأسيس فرقة «المسرح العربي» عام 1961، وفرقة «المسرح الوطني» عام 1976، كما أسّس «مسرح الفنون» كفرقة خاصة عام 1979. قدّم لخشبة المسرح أكثر من 33 مسرحية، أشهرها «باي باي لندن»، و«بني صامت»، و«على هامان يا فرعون»، و«سيف العرب»، وكان قد كتب بعضها بنفسه. في 1989، دخل مجال الإنتاج وأسس شركة «مركز الفنون»، وأدّى دوراً بارزاً في نشر فن الكوميديا من خلال تأسيسه لـ «فنون»، أوّل قناة تلفزيونية في العالم العربي مخصصة حصراً لعرض الأعمال الكوميدية.
حفر بصمته الخاصة في الدراما التلفزيونية من خلال مشاركته في أكثر من 30 عملاً، منها «درب الزلق» و«الأقدار» الذي كتبه بنفسه. وفي رمضان 2017، كان ظهوره الأخير على الشاشة الصغيرة من خلال إطلالته كضيف شرف في حلقتين من مسلسل «سيلفي 3» (mbc) للكوميدي السعودي ناصر القصبي. علماً أنّ الأخير أطلق سلسلة تغريدات على تويتر ينعى فيها «المعلّم». شارك القصبي حزنه الشديد كوكبة من النجوم الخليجيين والعرب، أبرزهم القديرة حياة الفهد، وهيا الشعيبي، والمغني الإماراتي حسين الجسمي، وطارق العلي، والممثل المصري أحمد وفيق الذي كتب على فايسبوك: «رحل الفنان عبد الحسين عبد الرضا قبل أن أخبره أنه كان أحد أهم أسباب بهجتي في الطفولة. ذهب قبل أن أعلن له رغبتي بالعمل معه منذ شاهدت أوبريت «بساط الفقر»، وهو بالنسبة لي فنان استثنائي. وعندما شاهدت «باباي عرب»، أضاء لدي حساً مسرحياً إضافياً. عبد الحسين عبد الرضا فنان فلتة، مدرسة واتجاه وفيض من الموهبة. للكويت أن تتباهى وتفتخر بأنّها وهبتنا فنان بهذا التأثير... اللهم أرحم مبدعنا بقدر ما أبهجنا».
في مسلسل «درب الزلق» (1977)، بمشاركة سعد الفرج وخالد النفيسي وعلي المفيدي وعبد العزيز النمش، قدّم عبد الحسين عبد الرضا شخصية «حسين بن عاقول» أو «حسينوه»، إحدى أشهر شخصياته الراسخة في الذاكرة الشعبية لأهل الكويت والخليج. إطلاق تسمية «حسينوه» على أي إنسان، نكتة شعبية شائعة في إشارة تهكمية إلى فشله في إنجاز أي عمل. ما زال صوت «أبو عدنان» يصدح في أرجاء الكويت والخليج. إلى جانب موهبته في التمثيل والكتابة، تمتّع بصوت رخيم مكّنه من خوض تجربتي الغناء والتلحين، والمشاركة في أداء عدد من الأوبريتات الغنائية، فضلاً عن تقديم بعض الأغاني في أعماله المسرحية.
لم يكن عبد الحسين عبد الرضا مجرّد ممثل كوميدي، بل كان قادراً في نصوصه وأدائه الفذ على استخدام فن إضحاك الجمهور كأداة لتوجيه رسائل نقدية تسخر من الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع الخليجي أوّلاً، والمنطقة العربية والعالم. أمر عرّضه لمحاولة اغتيال، كما للمساءلة القانونية من جهات رسمية. يذكر أنّه تم نقل جثمان النجم الراحل من لندن على متن طائرة أميرية في رحلته الأخيرة إلى مسقط رأسه، على أن تُنقل مراسم تأبينه عبر شاشة تلفزيون الكويت الرسمي، إذ ستُقام صلاة الجنازة والعزاء، اليوم الاثنين في «المسجد الكبير»، فيما لا يزال توقيت الجنازة غير مؤكد حتى لحظة كتابة هذه السطور.