على خشبة «مركز الدروس الجامعية» التابع لـ«جامعة القديس يوسف»، كان الجمهور الصيداوي ينصت ويتابع باهتمام عرض «برزخ» للثنائي رؤى بزيع (الصورة) وجاد حكواتي، مؤسسَي فرقة «منوال» المسرحية.ينقل هذا العرض تجربة شخصية عاشتها الممثلة رؤى بزيع حين تعرّضت لحادث سير مروّع أدّى إلى توقف قلبها لمدّة 35 دقيقة، قبل أن تخضع لعملية إنعاش وتنجو. هو الصراع بين الحياة والموت. صورٌ تتوالى من الحاضر والماضي. الإحساس بهذا الحاجز بين الشيئين. أن تكون في الحاضر وأن لا تكون فيه. حالةٌ من الغيبوبة بين الدنيا والآخرة، حيث لا ينفع الزمان تهويدةً للأيام المقبلة ولا يعطيك المكان سترة نجاة. اثناهما موجودان على مسافة ما بين القلب والعقل، لكنّهما غير قابلين للإدراك الحسي الملموس.
السينواغرافيا (جاد حكواتي) عبارة عن سريرٍ حديدي، بثلاثة أطرٍ كبيرة (برافانات) ذات زوايا بيضاء، توحي بأنّ لونها أسود ولكنها في الواقع شفافة تسمح برؤية طبقات متعدّدة تنتهي بالأسود. عندما دخلت رؤى بزيع على الخشبة بثوبها الأبيض الطويل، قدّمت درساً بيولوجياً من ألفه إلى يائه عن وظيفة القلب وعلاقته بالدماغ، ثم انتقلت لتشارك تجربتها الشخصية، مسِّرةً أنّ ما عاشته لا يشبه كل ما قيل عن مخاض بلوغ مرحلة الموت والنجاة منه. حملت جسدها لينام خلف البرافانات على السرير الحديدي لتعيد تمثيل ما مرّت به منذ لحظة إصابتها حتى توقف قلبها عن النبض، وتعلّمها من جديد المشي، والكلام والعيش والحب!
استعان المخرج جاد حكواتي بتجهيز فيديو (أنطوان مايير) يطال البرافانات الثلاثة لينقل للمشاهد ما يصعب وصفه بالكلمات: هي تلك الفسحة «ما بين الدنيا والآخرة ومن وقت الموت إلى حالة البعث». حمل التجهيز مقام ممثلٍ آخر على الخشبة. نقل للمشاهد ما يصعب التعبير عنه بكلمات: انتقال الجسد خارج دائرة الحياة. أن تراقب الروح جسدها الذي تحوّل إلى هيولي ملقى على السرير بحضرة الأطباء. الانتظار. العودة إلى طريق حادث السير. صور شعاعية للظهر، للجمجمة، للنخاع الشوكي. ما حدث بين جاد ورؤى قبل الحادث. ما كان يجب أن يحدث لو لم يحصل الحادث: العودة إلى المنزل بأمان والإمساك بالريموت كونترول.
كان المشاهد يرى عبر تلك البرافانات وتجهيز الفيديو جسد رؤى يتشظّى إلى طبقات عدّة، بالغاً مقامات وحالات آسرة متنوعة.
اعتمد «برزخ» بشكل أساسي على التجهيز البصري المتعدّد الوسائط، وطغت جماليته ووقعه على سائر عناصر العرض. ساعد على ذلك ضعف النص المسرحي؛ رغم أنّه أبدى جلياً خيار رؤى وجاد اللذين اشتغلا معاً عليه في الابتعاد عن سرد التفاصيل الشخصية التي قد تبدو مثيرة للشفقة والانفعال. آثر الثنائي التركيز على فكرة البرزخ من الناحية الروحانية، مستحضرَين بعض المراجع الدينية وبعض أبيات جدارية محمود درويش، إلا أنّ الخط الدرامي للنص لم يكن واضحاً كما لم تبرز أهدافه. قبع المشاهد أمام مقاطع نصية، كل منها مثير على حدة، لكن يصعب تفكيك مجملها. كما لم تكن الخيارات الحركية لرؤى مبررةً أحياناً.
في كل الأحوال، تبقى تلك التجربة جديرة باهتمام متابعي المسرح والمشاهدين لأهمية الموضوع المطروح، ولما يحمله العرض من معالجة بصرية وموسيقية قلّ نظيرهما في السنتين الأخيرتين.